بقوله:"اتّخذوا. . . إلخ"، زاد في حديث ابن عبّاس، وعائشة -رضي اللَّه عنهم- الآتي:"يُحَذِّر ما صَنَعوا"، وهو أيضًا جواب لسؤال مقدّر من كلام الراوي، كأنه سئل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت، فأجاب بأنه قال ذلك ليُحَذِّر أمته أن يصنعوا بقبره مثل ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائه.
[تنبيه]: استُشكل ذكر النصارى في هذا الحديث؛ لأنه ليس لهم نبيّ إلا عيسى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ إذ لا نبيّ بينه وبين نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو حيّ في السماء لم يمت، فليس له قبر.
وأُجيب بأن ضمير الجمع في قوله:"أنبيائهم" للمجموع من اليهود والنصارى، فإن اليهود لهم أنبياء، أو المراد الأنبياء وكبار أتباعهم، فاكتفى بذكر الأنبياء، ويؤيّده حديث جندب -رضي اللَّه عنه- الآتية آخر الباب، وفيه:"وإن من كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد"، ولهذا لَمّا أفرد النصارى في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- الماضي في قصّة أم حبيبة وأم سلمة -رضي اللَّه عنهما-، قال:"إذا كان فيهم الرجل الصالح، فمات بنوا على قبره مسجدًا"، ولم يذكر الأنبياء، ولَمّا أفرد اليهود في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- الآتي قال:"قاتل اللَّه اليهود اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، فذكر الأنبياء.
قيل: ويَحْتَمل أن يُجاب بأن في النصارى أيضًا أنبياء، لكنهم غير مرسلين، كالحوارين.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا يخفى ما في هذا الجواب من الضعف، وعندي أن أظهر الأجوبة ما قيل: إن أنبياء اليهود هم أنبياء النصارى؛ لأن النصارى مأمورون بالإيمان بكلّ رسول، فرُسُل بني إسرائيل يُسمَّون أنبياء في حقّ الفريقين، وأن المراد من اتّخاذ القبور أعمّ من أن يكون ابتداعًا، أو اتّباعًا، فإن اليهود ابتدعت اتّخاذ القبور مساجد، والنصارى اتّبعت في ذلك، ولا ريب أن النصارى تعظّم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظّمهم اليهود، وخصّ اليهود في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- بالذكر؛ لكونهم ابتدعوا هذا الاتخاذ، فهم أظلم (١)، واللَّه تعالى أعلم.