للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَتْ) عائشة -رضي اللَّه عنها- (فَلَوْلَا ذَاكَ) وفي نسخة: "ولولا ذلك"، وهو الذي عند البخاريّ، أي لولا تحذّير النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته بذكره لعن المتَّخِذين قبور الأنبياء مساجد (أُبْرِزَ قَبْرُهُ) بالبناء للمفعول، أي لكُشف قبر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يُتَّخذ عليه الحائل، والمراد دفنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خارج بيته، وهذا قالته عائشة -رضي اللَّه عنها- قبل أن يُوسّع المسجد النبويّ، ولهذا لَمّا وُسِّع المسجد جُعلت حجرتها مثلّثة الشكل محددةً حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر، مع استقبال القبلة، قاله في "الفتح" (١).

(غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ضبطناه بضم الخاء، وفتحها، وهما صحيحان. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: أما على الضمّ فالفعل مبنيّ للمفعول، ونائب فاعله، ضمير النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أي أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خشي أن يُتّخذ قبره مسجدًا، فحذّر أمته، وأخبرها بأن اليهود والنصارى ملعونون بسبب ذلك.

وأما على الفتح فالفعل مبنيّ للفاعل، وفاعله ضمير الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، أي إنهم لَمّا حذّرهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَشُوا أن يُتّخذ قبره مسجدًا، فلم يُبرزوه.

وقوله: (أَنْ يُتَّخَذَ) بالبناء للمفعول أيضًا، والضمير لـ "قبره" (مَسْجِدًا) بالنصب على أنه مفعول ثان لـ "يُتّخذ".

ووقع في نسخة: "فلولا ذاك لأبرز قبرُهُ، ولكنّه خُشي. . . إلخ".

ووقع في رواية البخاريّ بلفظ: "غيرَ أني أَخْشَى"، بضمير المتكلّم، قال في "الفتح": كذا هنا، وفي رواية أبي عوانة، عن هلال الآتية في أواخر "الجنائز": "غير أنه خَشِيَ، أو خُشِيَ"، على الشكّ، هل هو بفتح الخاء المعجمة، أو ضمها؛ وفي رواية مسلم: "غير أنه خُشِي" بالضم لا غير.

قال: فرواية الباب تقتضي أن عائشة -رضي اللَّه عنها- هي التي امتَنَعَت من إبرازه، ورواية الضم مبهمة، يمكن أن تُفَسَّر بهذه، والهاء ضمير الشأن، وكأنها أرادت نفسها ومن وافقها على ذلك، وذلك يقتضي أنهم فعلوه باجتهاد، بخلاف رواية الفتح، فإنها تقتضي أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي أمرهم بذلك. انتهى.


(١) "الفتح" ٢٣/ ٢٣٨.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ١٢.