للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان، أو غير صنم، وكانت العرب تُصَلِّي إلى الأصنام، وتعبدها، فخَشِي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أمته أن تصنع كما صنع بعض مَن مضى من الأمم، كانوا إذا مات لهم نبيّ عَكَفُوا حول قبره، كما يُصْنَعُ بالصنم، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم لا تجعل قبري وَثَنًا يُصَلَّى إليه، ويُسْجَد نحوه، ويُعْبَدُ، فقد اشتدّ غضب اللَّه على من فعل ذلك، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحَذِّر أصحابه، وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله الذين صَلَّوا إلى قبور أنبيائهم، واتخذوها قبلةً ومسجدًا، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يَسجُدون إليها، ويعظمونها، وذلك الشرك الأكبر، فكان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يخبرهم بما في ذلك من سخط اللَّه وغضبه، وأنه مما لا يرضاه؛ خشية عليهم امتثالَ طرقهم، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحِبُّ مخالفة أهل الكتاب، وسائر الكفار، وكان يخاف على أمته اتباعهم، ألا تَرَى إلى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- على جهة التعيير والتوبيخ: "لتتبعُنَّ سَنَنَ الذين كانوا قبلكم حَذْوَ النعل بالنعل، حتى إنّ أحدهم لو دَخَل جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه". انتهى كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١). وهو نفيسٌ.

قال ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويؤيّده ما ذكره أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُحذِّر من ذلك في مرض موته، كما في حديث عائشة، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وفي حديث جُندب -رضي اللَّه عنه- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذلك قبل موته بخمس.

وفي "مسند الإمام أحمد" بسند صحيح، من حديث أبي عبيدة بن الجرّاح -رضي اللَّه عنه- قال: آخر ما تكلم به النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أخرجوا يهود أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

وأخرج الإمام أحمد حديث عن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أدخل علي أصحابي"، فدخلوا عليه، فكشف القناع، ثم قال: "لعن اللَّه اليهود والنصارى، اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

وأخرج أيضًا حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- من رواية ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن الزهريّ، وقال في آخر حديثه: "يُحرّم ذلك على أمته".


(١) "التمهيد" لابن عبد البر ٥/ ٤٥.