للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد اتّفق أئمة الإسلام على هذا المعنى، قال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأكره أن يُعظَّم مخلوقٌ حتى يتّخذ قبره مسجدًا خشيةَ الفتنة عليه، وعلى من بعده.

وقال صاحب "التنبيه" من أصحابه: أما الصلاة عند رأس قبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوجّهًا إليه فحرام.

قال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: بالغ المسلمون في سدّ الذريعة في قبره النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأعلموا حِيطان تربته، وسدُّوا الداخل إليها، وجعلوها مُحدقةً بقبره -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم خافوا أن يُتخّذ موضع قبره قبلةً إذا كان مستقبل المصلّين، فتُتصوّر الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليّين، وحرّفوهما حتى التقيا على زاوية مُثلّثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكّن أحدٌ من استقبال قبره، ولهذا المعنى قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: ولولا ذلك أُبرِز قبره. انتهى كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث عائشة وابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا [٣/ ١١٩٢] (٥٣١)، (والبخاريّ) في "الصلاة" (٤٣٥ و ٤٣٦ و ٣٤٥٣ و ٣٤٥٤ و ٤٤٤٣ و ٤٤٤٤ و ٥٨١٥ و ٥٨١٦)، و (النسائيّ) (٢/ ٤٠ - ٤١)، وفي "الكبرى" (١/ ٢٥٩ - ٢٦٠)، و (أحمد) في "مسنده" (٦/ ٣٠٦)، و (الدارميّ) في "سننه" (١/ ٣٧٧)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (١١٨٣ و ١١٨٤)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه" (١١٧٢)، واللَّه تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

١ - (منها): بيان النهي عن اتّخاذ القبور مساجد؛ لما يترتّب عليه من الفساد بتعظيمها المؤدّي إلى عبادتها.

٢ - (ومنها): بيان ما كان عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من شدّة العناية في تحذير أمته


(١) "فتح الباري" لابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- ٣/ ٢٤٥ - ٢٤٨.