للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ) الخليل: هو المنقَطَعُ إليه، وقيل: المختص بشيء دون غيره، قيل: هو مشتقّ من الْخَلَّة -بفتح الخاء-: وهي الحاجة، وقيل: من الْخُلّة -بضم الخاء-: وهي تخلل المودّة في القلب، فنفى -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تكون حاجته، وانقطاعه إلى غير اللَّه تعالى، وقيل: الخليل من لا يَتَّسِع القلب لغيره، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الْخُلّة بالضم: الصداقة، والمحبة التي تخلَّلت القلب، فصارت خلاله، أي في باطنه، والخليل: الصديق، فَعِيلٌ بمعنى مُفَاعِل، وقد يكون بمعنى مفعول، وإنما قال -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك؛ لأن خُلّته كانت مقصورة على حبّ اللَّه تعالى، فليس فيها لغيره مُتَّسَعٌ، ولا شَرِكة من مَحابّ الدنيا والآخرة، وهذه حالٌ شريفةٌ، لا ينالها أحدٌ بكسب واجتهاد، فإن الطباع غالبةٌ، وإنما يَخُصّ اللَّه بها من يشاء من عباده، مثل سيد المرسلين -صلوات اللَّه وسلامه عليه-.

ومن جَعَل الخليل مشتقًّا من الْخَلَّة، وهي الحاجة والفقر، أراد: إني أبرأ من الاعتماد والافتقار إلى أحد غير اللَّه تعالى، وفي رواية -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أبرأ إلى كُلّ خِلٍّ من خَلَّته" بفتح الخاء، وبكسرها، وهما بمعنى الْخُلَّة والخليل. انتهى (٢).

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "إني أبرأ إلى اللَّه. . . إلخ": أي أَبْعُدُ عن هذا، وأنقطع عنه، وإنما كان ذلك؛ لأن قلبه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد امتلأ بما تخلّله من محبّة اللَّه تعالى وتعظيمه، فلا يَتَّسِعُ لمخاللة غيره، أو لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد انقطع بحاجته كلّها إلى اللَّه تعالى، ولجأ إليه في سدّ خلّاته، فكفاه ووقاه، فلا يَحتاج إلى أحد من المخلوقين. انتهى (٣).

ثم علّل براءته عن المخلوقين بقوله:

(فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- خَلِيلًا) حيث قال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: ١٢٥].

قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: وقوله: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ١٣.
(٢) "النهاية في غريب الأثر" ٢/ ٧٢.
(٣) "المفهم" ٢/ ١٢٩.