إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: ١٢٥] وهذا من باب الترغيب في اتّباعه؛ لأنه إمام يُقْتَدى به حيث وصل إلى غاية ما يَتَقَرَّب به العباد له، فإنه انتهى إلى درجة الْخُلَّة التي هي أرفع مقامات المحبة، وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه، كما وصفه به في قوله: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)} [النجم: ٣٧].
قال كثير من علماء السلف: أي قام بجميع ما أُمر به، وفي كل مقام من مقامات العبادة، فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير، ولا كبيرٌ عن صغير، وقال تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} الآية [البقرة: ١٢٤]، وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠)} الآية [النحل: ١٢٠] والآية بعدها.
وقال البخاريّ: حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن عمرو بن ميمون، قال:"إن معاذًا لَمّا قَدِمَ اليمن صلى بهم الصبح، فقرأ:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} فقال رجل من القوم: لقد قَرَّت عين أم إبراهيم".
وقد ذكر ابن جرير في "تفسيره" عن بعضهم أنه إنما سماه اللَّه خليلًا من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جَدْبٌ، فارتحل إلى خليل له من أهل الْمَوْصِل، وقال بعضهم: من أهل مصر؛ ليمتار طعامًا لأهله من قِبَله، فلم يُصِب عنده حاجته، فلما قَرُب من أهله بمفازة ذات رَمْل، فقال: لو ملأت غرائري من هذا الرمل؛ لئلا يغتم أهلي برجوعي إليهم بغير مِيرة، وليظنوا أني أتيتهم بما يحبون، ففعل ذلك، فتحوَّل ما في الغرائر من الرمل دقيقًا، فلما صار إلى منزله نام، وقام أهله، ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقًا، فعَجَنوا منه، وخَبَزوا، فاستيقظ، فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا، فقالوا: من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك، فقال: نعم هو من عند خليلي اللَّه، فسماه اللَّه بذلك خليلًا.
قال ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفي صحة هذا ووقوعه نظرٌ، وغايته أن يكون خبرًا إسرائيليًّا لا يُصَدَّق ولا يُكَذَّب.
وإنما سُمِّي خليل اللَّه؛ لشدّة محبته لربه -عَزَّ وَجَلَّ- لِمَا قام له به من الطاعة التي يحبها ويرضاها، ولهذا ثبت في "الصحيحين" من رواية أبي سعيد الخدريّ أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا خطبهم في آخر خطبة خطبها قال: "أما بعدُ أيها الناس، فلو