قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويمكن الجمع بين القولين بأن الأول كان تاريخ ابتدائه، والثاني تاريخ انتهائه. انتهى (١).
(إِنَّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ) هذا مقول لقول مقدّر حال من فاعل "سمع"، أي سمعه يقول:"إنكم قد أكثرتم"، ومفعول "أكثرتم" محذوف؛ للعلم به، أي أكثرتم الكلام في الإنكار عليّ فيما فعلته من بناء المسجد.
(وَإِنِّي سَمِعْتُ) وفي نسخة: "قد سَمِعْتُ"(رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ) جملة حالية من المفعول ("مَنْ بَنَى مَسْجدًا للَّهِ تَعَالَى) التنكير فيه للتعميم، فيدخل فيه الكبير والصغير، ووقع في رواية أَنس -رضي اللَّه عنه- عند الترمذيّ: "صغيرًا أو كبيرًا".
وزاد ابن أبي شيبة في حديث الباب من وجه آخر، عن عثمان -رضي اللَّه عنه-: "ولو كَمَفْحَص قَطَاة"، وهذه الزيادة أيضًا عند ابن حبّان، والبزّار، من حديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه-، وعند أبي مسلم الكجيّ من حديث ابن عباس، وعند الطبرانيّ في "الأوسط" من حديث أنس وابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وعند أبي نعيم في "الحلية" من حديث أبي بكر الصدِّيق، ورواه ابن خزيمة من حديث جابر بلفظ: "كمَفَحص قَطاة، أو أصغر".
وحَمَلَ أكثر العلماء ذلك على المبالغة؛ لأن المكان الذي تَفْحَص القَطاة عنه؛ لتَضَع فيه بيضها، وترقُد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه، وتؤيده رواية جابر هذه.
وقيل: بل هو على ظاهره، والمعنى أن يزيد في مسجد قدرًا يُحتاج إليه، تكون تلك الزيادة هذا القدر، أو يشتركَ جماعةٌ في بناء مسجد، فتقع حصّة كل واحد منهم ذلك القدر.
وهذا كلّه بناءٌ على أن المراد بالمسجد ما يَتبادر إلى الذهن، وهو المكان الذي يُتَّخذ للصلاة فيه.
فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود، وهو ما يَسَع الجبهة، فلا يحتاج إلى شيء مما ذُكِر، لكن قوله: "بَنَى" يُشْعِر بوجود بناء على الحقيقة، ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة: "مَن بَنَى للَّه بيتًا"، أخرجه سمويه في "فوائده"