للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بإسناد حسن، وقوله في رواية عُمر: "مَن بنى مسجدًا يُذكَرُ فيه اسم اللَّه"، أخرجه ابن ماجه، وابن حبّان، وأخرج النسائيّ نحوه من حديث عمرو بن عَبَسَة، فكل ذلك مشعر بأن المراد بالمسجد المكان المتَّخَذ، لا موضع السجود فقط.

لكن لا يَمتنع إرادة الآخر مجازًا؛ إذ بناء كل شيء بحسبه، وقد شاهدنا كثيرًا من المساجد في طُرُق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة، وهي في غاية الصغر، وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود.

ورَوَى البيهقيّ في "الشعب" من حديث عائشة نحو حديث عثمان، وزاد: "قلت: وهذه المساجد التي في الطُّرُق؟ قال: نعم"، وللطبرانيّ نحوه من حديث أبي قِرْصَافة، وإسنادهما حسن، قاله في "الفتح" (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.

(قَالَ بُكَيْرٌ) هو ابن عبد اللَّه بن الأشجّ الراوي عن عاصم بن عمر (حَسِبْتُ) بكسر السين المهملة، ومضارعه يَحْسَب بفتحها، وتُكسر أيضًا في لغة، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حَسِبْتُ زيدًا قائمًا أَحْسَبُهُ، من باب تَعِبَ في لغة جميع العرب، إلا بني كِنَانة، فإنهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي أيضًا على غير قياسٍ، حِسْبَانًا بالكسر: بمعنى ظننتُ. انتهى (٢).

وأما حَسَبَ المالَ حَسْبًا: إذا أحصى عدده، فإنه من باب نصر (٣)، ولا يُناسب هنا، فافهم.

(أَنَّهُ) أي عاصم بن عمر (قَالَ) أي زاد في روايته قوله: (يَبْتغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ) أي يطلب بذلك رضي اللَّه تعالى.

قال في "الفتح": قوله: "قال بكير: حَسِبْتُ أنه" أي شيخه عاصمًا بالإسناد المذكور، قوله: يبتغي به وجه اللَّه" أي يطلب به رضا اللَّه، والمعنى بذلك الإخلاصُ، وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث، ولم أَرَها إلا من طريقه هكذا، وكأنها ليست في الحديث بلفظها، فإن كلَّ مَن رَوَى حديث


(١) "الفتح" ١/ ٦٤٩.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ١٣٤.
(٣) راجع: "مختار الصحاح" ص ٨١.