للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عثمان -رضي اللَّه عنه- من جميع الطرق إليه لفظهم: "من بنى للَّه مسجدًا"، فكأن بُكيرًا نسيها، فذكرها بالمعنى مُتردِّدًا في اللفظ الذي ظنه، فإن قوله: "للَّه" بمعنى قوله: "يبتغي به وجه اللَّه"؛ لاشتراكهما في المعنى المراد، وهو الإخلاص. انتهى.

[فائدة]: قال ابن الجوزيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مَن كَتَبَ اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدًا من الإخلاص. انتهى.

قال في "الفتح": ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص؛ لعدم الإخلاص، وإن كان يؤجر في الجملة.

ورَوى أصحاب "السنن" وابن خزيمة، والحاكم، من حديث عقبة بن عامر مرفوعًا: "إن اللَّه يُدخل بالسهم الواحد ثلاثةً الجنةَ: صانعه الْمُحْتَسِبَ في صنعته، والرامي به، والممدّ به"، فقوله: "المحتَسِب في صنعته" أي مَن يَقْصِد بذلك إعانة المجاهد، وهو أعم من أن يكون متطوعًا بذلك، أو بأجرة، لكن الإخلاص لا يحصل إلا من المتطوع.

وهل يحصل الثواب المذكور من جَعَل بقعة من الأرض مسجدًا، بأن يكتفي بتحويطها من غير بناء، وكذا من عَمَد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدًا، إن وَقَفنا مع ظاهر اللفظ فلا، وإن نظرنا إلى المعنى فنعم، وهو المتَّجِهُ.

وكذا قوله: "بَنَى" حقيقةٌ في المباشرة بشرطها، لكن المعنى يَقتَضي دخول الَامر بذلك أيضًا، وهو المنطبِق على استدلال عثمان -رضي اللَّه عنه-؛ لأنه استَدَلّ بهذا الحديث على ما وقع منه، ومن المعلوم أنه لم يباشر ذلك بنفسه. انتهى. وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم.

(بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ") قال في "الفتح": إسناد البناء إلى اللَّه مجاز، ومثله في "العمدة".

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الحقّ أنه لا مجاز هنا، بل هو كسائر الصفات التي تنسب إلى اللَّه تعالى على الوجه اللائق به -عَزَّ وَجَلَّ-، مثل نسبة الخلق، والرِّزْق، والمنع، والعطاء، والقبض، والبسط، والرفع، والخفض، ونحو ذلك، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد.