وإبراز الفاعل فيه لتعظيم ذكره -جَلّ اسمه- أو لئلا يُتَوَهَّم عوده على باني المسجد.
وقوله:"في الجنة" متعلّق بـ "بنى"، أو بمحذوف صفة لـ "بيتًا".
(وَقَالَ ابْنُ عِيسَى فِي رِوَايَتِهِ: مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) يعني أن أحمد بن عيسى شيخه الثاني قال في روايته: "بَنَى اللَّه له مثله في الجنّة"، بدل قول هارون بن سعيد:"بنى اللَّه له بيتًا في الجنّة".
قال في "الفتح": قوله: "مثلَهُ" صفة لمصدر محذوف أي بَنَى بِناءً مثلَهُ، ولفظ "المثل" له استعمالان:
أحدهما: الإفراد مطلقًا، كقوله تعالى:{فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا}[المؤمنون: ٤٧]، والآخر: المطابقة كقوله تعالى: {أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}[الأنعام: ٣٨]، فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنيةً متعددةً، فيحصُل جواب مَن استشكَل التقييد بقوله:"مثله" مع أن الحسنة بعشمرة أمثالها؛ لاحتمال أن يكون المراد بَنَى اللَّه له عشرة أبنية مثله، والأصل أن ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل، والزيادة عليه بحكم الفضل.
وأما مَن أجاب باحتمال أن يكون -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذلك قبل نزول قوله تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام: ١٦٠] ففيه بُعْدٌ.
وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفي الزيادة عليه.
ومن الأجوبة المرضيَّة أيضًا أن المثلية هنا بحسب الكميّة، والزيادة حاصلة بحسب الكيفية، فكم من بيت خير من عشرة، بل من مائة، أو أن المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء لا من غيره، مع قطع النظر عن غير ذلك، مع أن التفاوت حاصل قطعًا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة؛ إذ موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها، كما ثبت في "الصحيح".
وقد رَوى أحمد من حديث واثلة بلفظ:"بَنى اللَّه له في الجنة أفضل منه"، وللطبرانيّ من حديث أبي أمامة بلفظ:"أوسع منه"، وهذا يُشعر بأن المثلية لم يُقْصَد بها المساواة من كل وجه.