وقال النوويّ: يَحْتَمِل أن يكون المراد أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن المراد بالمثل هنا -واللَّه أعلم- تماثل العمل والجزاء في الجنس، فيكون الجزاء من جنس العمل، لا التماثُل في الكم والكيف، وهذا توضحه نصوص أخرى وردت في هذا المعنى، كحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا:"من أعتق رقبةً أعتق اللَّه بكلّ عضو منه عضوًا منه من النار". متّفقٌ عليه.
وكحديثه أيضًا مرفوعًا:"من نفّس عن مؤمن كربةً من كُرب الدنيا، نفّس اللَّه عنه كربةً من كُرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا في الدنيا ستره اللَّه في الدنيا والآخرة، واللَّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". رواه مسلم.
وبهذا المعنى وردت أحاديث كثيرة، فمن بنى للَّه مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنّة، ولا يُراد به المثليّة في الكميّة والكيفيّة، وإنما هو في مسمّى البناء من جنس عمله.
قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأما قوله: "مثله" فليس المراد أنه على قدره، ولا على صفته في بنيانه، ولكن المراد -واللَّه أعلم- أنه يوسّع بنيانه بحسب توسعته، ويحكم بنيانه بحسب إحكامه، لا من جهة الزخرفة، ويكمل انتفاعه بما يُبنى له في الجنّة بحسب كمال انتفاع الناس بما بناه لهم في الدنيا، ويشرُف على سائر بنيان الجنة كما تشرف المساجد في الدنيا على سائر البنيان، وإن كان لا نسبة لما في الدنيا إلى ما في الآخرة، كما قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واللَّه ما في الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يَجعل أحدكم إصبعه هذه -وأشار بالسبّابة- في اليمّ، فلينظر بم ترجع"، رواه مسلم.
وقد دلّ على ما قلناه ما أخرجه أحمد من حديث أسماء بنت يزيد، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من بنى للَّه مسجدًا في الدنيا، فإن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- يبني له بيتًا أوسع