للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السابقين الأولين إلى الإسلام، ومن أكابر فقهاء الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وأثنى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على قراءته، وحثّ على الأخذ منه، فقد أخرج أحمد، وابن ماجه بسند صحيح، عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن أبا بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- بَشّراه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أحب أن يقرأ القرآن غَضًّا كما أُنزل، فليقرأه على قراءة ابن أُمِّ عبد"، واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنِ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ) أنهما (قَالَا: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ) -رضي اللَّه عنه- (فِي دَارِهِ) وفي رواية النسائيّ: "دخلت أنا وعلقمة على عبد اللَّه بن مسعود" (فَقَالَ) عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- (أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ؟) يريد الأمير والتابعين له، وفيه إشارة إلى إنكار تأخير الصلاة.

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: "أصلّى هؤلاء. . . إلخ" هذه الإشارة إلى الأمراء، عاب عليهم تأخيرها عن وقتها المستحبّ، ويدلّ عليه آخر الحديث، و"خَلْفَكُم" إشارة إلى موضعهم، فكأنه قال: "الذين خَلْفَكُم"، ولم يُرد به أنهم أئمتهم؛ إذ قد صلّى بهم عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-. انتهى (١).

(فَقُلْنَا: لَا) أي لم يصلّوا (قَالَ) عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- (فَقُومُوا) وفي نسخة: "قوموا" (فَصَلُّوا) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه جواز إقامة الجماعة في البيوت، لكن لا يَسقُط بها فرض الكفاية، إذا قلنا بالمذهب الصحيح أنها فرض كفاية، بل لا بدّ من إظهارها، وإنما اقتصر عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- على فعلها في البيت؛ لأن الفرض كان يسقط بفعل الأمير، وعامّة الناس، وإن أخروها إلى أواخر الوقت. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الراجح أن صلاة الجماعة فرض على الرجال، لا يسقط إلا بعذر، ومن جملة الأعذار تأخير الأئمة الصلاة عن وقتها، فيُحمل فعل ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- على هذا، وسيأتي تحقيق الخلاف بأدلّته في موضعه -إن شاء اللَّه تعالى-.

(فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذانٍ وَلَا إِقَامَةٍ) قال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختُلف في صلاة الرجل وحده، أو في بيته، فذهب بعض السلف من أصحاب ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- وغيرهم إلى أنه تُجزئه إقامة أهل المصر وأذانهم، وذهب عامّة فقهاء الأمصار إلى أنه لا


(١) "المفهم" ٢/ ١٣٢.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ١٥.