للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعله، وأجمع المسلمون قاطبةً من لدن المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا على أن الفعل كان في أول الإسلام، ثم نسخه الأمر بوضع اليدين للمصلي في ركوعه، فإن جاز لابن مسعود -رضي اللَّه عنه- في فضله، وورعه، وكثرة تعاهده أحكام الدين، وتفقده أسباب الصلاة خلف المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو في الصف الأول؛ إذ كان من أولي الأحلام والنُّهَى أن يخفى عليه مثل هذا الشيء المستفيض الذي هو منسوخ بإجماع المسلمين، أو رآه فنسيه، جاز أن يكون رفع المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه عند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، مثلَ التشبيك في الركوع، أن يخفى عليه ذلك، أو ينساه بعد أن رآه. انتهى كلام ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لقد أجاد ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- في هذا الاستنباط، والتحقيق، فإن هذا الحديث وأمثاله مما يقطع دابر المقلّدين الذين لا يبالون بالسنن الصحاح إذا خالفت مذهبهم، إذا ذُكِّرُوا لا يذكُرُون، بل يتعلّلون بأن إمامهم أعلم وأكثر اطّلاعًا من غيره، فلو كان هذا النصّ سليمًا لَمَا خفي عليه، {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: ١٦]، فهذا ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أعلم، وأحفظ للسنن من الإمام الذي يدّعون له الإحاطة بالسنّة زورًا، قد خفيت عليه هذه السنة، فماذا بعد هذا؟ إلا العناد والمكابرة، اللهم اهدنا فيمن هديت آمين.

٣ - (ومنها): أنه من أدلّة نبوّة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعجزة من معجزاته؛ إذ قد أخبر -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شيء من الغيب، فوقع على نحو ما أخبر به.

٤ - (ومنها): أن فيه جواز التشبيك في المسجد؛ لأن التطبيق الذي ذكر في هذا الحديث كان في المسجد، وفيه قوله: "فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وفي رواية النسائيّ: "فجعل إذا ركع شبّك بين أصابعه"، ففيه أن التشبيك وقع في المسجد، وقد بوّب النسائيّ في "سننه"، فقال: "تشبيك الأصابع في المسجد"، ثم أورد الحديث محتجًّا به على جوازه، وقد أشبعت البحث في "شرحي" (٢) عليه، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

وأما حديث أحمد، وأبو داود، والترمذيّ عن كعب بن عجرة -رضي اللَّه عنه-


(١) "صحيح ابن حبان" ٥/ ١٩٤.
(٢) راجع: "ذخيرة العقبى" ٩/ ٣٩ - ٤١.