للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنّث الضمير مع أن "الإقعاء" مذكّر؛ باعتبار أنه جِلْسة، يعني أن هذه الجِلْسة سنّة نبويّة، وتعريف جزأي الجملة يدلّ على الكمال، أي إنها سنّة مرضيّة؛ لثبوتها عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا جفاء فيها، واللَّه تعالى أعلم.

(فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً) بفتح الجيم، والمدّ: مصدر جفا، يقال: جفوتُ الرجلَ أجفوه: إذا أعرضت عنه، أو طردته، وهو مأخوذ من جُفَاء السيل، وهو ما نَفَاه السيلُ، وقد يكون مع بُغْض، أفاده في "المصباح" (١).

وقوله: (بِالرَّجُلِ) متعلّق بـ "جفاءً"، يعني أن الجلسة نعتبرها من جفاء الرَّجُل، وابتعاده، وإعراضه عن السنّة، وسيأتي تمام البحث في معنى الإقعاء في المسألة الثالثة -إن شاء اللَّه تعالى-.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ضبطنا قوله: "بالرَّجُل" بفتح الراء، وضم الجيم، أي بالإنسان، وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم، قال: وضبطه أبو عمر بن عبد البر بكسر الراء، وإسكان الجيم، قال أبو عمر: ومن ضَمّ الجيم، فقد غَلِطَ، وردَّ الجمهور على ابن عبد البر، وقالوا: الصواب الضم، وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه. انتهى (٢).

وعبارة القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كذا رويناه "الرَّجُل" بفتح الراء، وضمّ الجيم، وكذا قيّدناه عن شيوخنا، وقيّدناه في كتاب أبي داود على الفقيه أبي الوليد هشام بن أحمد، عن الغسّانيّ شيخنا، عن أبي عمر بن عبد البرّ "بالرِّجْل" بكسر الراء، وسكون الجيم، يريد الجارحة، وكذا ألفيته أيضًا في أصل أبي عمر ابن عبد البرّ، وبه عارضت، وقال أبو عليّ: كذا كان يقول أبو عمر فيه، ويقول: من قال بالرَّجُل فقد صحّفه، ولا معنى له، قال أبو عليّ: ولم أسمعه قط إلا "بالرجُل"، وكذا قيّده أبو عليّ في أصله، وبه عارضت أيضًا.

قال القاضي: والأوجه عندي هو قول من يروي "بالرَّجُل" كما قال أبو عليّ، ويدلّ عليه إضافة الجفاء إليه في جِلْسته تلك المكروهة عند العلماء، وأما "الرِّجْلُ" فلا وجه له. انتهى كلام القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٣).


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٠٤.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ١٩.
(٣) "إكمال المعلم" ٢/ ٤٦٠ - ٤٦١.