تبطل الصلاة أم لا؟ كالنفخ، والتنحنح بغير علة وحاجة، وكالبكاء، والذي يقتضيه القياس أن ما يُسَمَّى كلامًا فهو داخل تحت اللفظ، وما لا يسمى كلامًا، فمن أراد إلحاقه به كان ذلك بطريق القياس، فَلْيُرَاعَ شرطه في مساواة الفرع للأصل، أو زيادته عليه.
واعتَبَر أصحاب الشافعيّ ظهور حرفين، وإن لم يكونا مفهمين، فإن أقل الكلام حرفان، ولقائل أن يقول: ليس يلزم من كون الحرفين يتألف منهما الكلام أن يكون كل حرفين كلامًا، وإذا لم يكن كلامًا فالإبطال به لا يكون بالنصّ، بل بالقياس على ما ذكرنا، فَلْيُراعَ شرطه.
اللهم إلا أن يريد بالكلام كل مركب مُفْهِمًا كان أو غير مفهم، فحينئذ يندرج المتنازع فيه تحت اللفظ، إلا أن فيه بحثًا، والأقرب أن يُنْظَر إلى مواقع الإجماع والخلاف، حيث لا يسمى الملفوظ به كلامًا، فما أُجمع على إلحاقه بالكلام ألحقناه به، وما لم يُجمَع عليه مع كونه لا يسمى كلامًا، فيقوى فيه عدم الإبطال.
ومن هذا استُضْعِف القول بإلحاق النفخ بالكلام، ومن ضعيف التعليل فيه قول مَن عَلَّل البطلان به بأنه يشبه الكلام، وهذا ركيك، مع ثبوت السنة الصحيحة أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نفخ في صلاة الكسوف في سجوده. انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي الأرجح أن المراد بالكلام هو التخاطب الذي يجري بين الناس؛ إذ قول الراوي "يُخاطب بعضنا بعضًا"، وكذا الحديث المتقدّم:"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" ظاهر في كون المراد مخاطبة بعضهم بعضًا، فلا يدخل فيه التنحنح، والأنين، والتأوّه، والنفخ، والبكاء، ونحو ذلك؛ لأنها ليست من جنس الكلام الممنوع في الصلاة، فتبصّر بالإنصاف.
٨ - (ومنها): أن قوله: "ونُهينا عن الكلام" هذه الزيادة لم تقع عند البخاريّ، واستُدلّ بها على أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضدّه؛ إذ لو كان كذلك لم يُحتَج إلى قوله:"ونُهينا عن الكلام".
وأجيب بأن دلالته على ضدّه دلالة التزام، ومن ثَمَّ وقع الخلاف، فلعلّه