قال الجامع عفا اللَّه عنه: الأرجح في أن الأمر بالشيء، وكذا النهي عنه لا يستلزم ضدّه لفظًا، وإنما يستلزمه معنًى؛ إذ لا يتأتّى ما طلبه إلا بضدّه، وقد أوضحت هذا في "التحفة المرضيّة" حيث قلت:
وانظر تفاصيل المسألة في شرحها "المنحة الرضيّة"، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في وقت تحريم الكلام في الصلاة:
(اعلم): أنهم اختلفوا متى حُرِّم؟ فقال قوم: بمكة، واستدلوا بحديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- ورجوعه من عند النجاشيّ إلى مكة.
وقال آخرون: حُرِّم بالمدينة، بدليل حديث زيد بن أرقم -رضي اللَّه عنه-، فإنه من الأنصار، أسلم بالمدينة، وسورة البقرة مدنية، وقالوا: ابن مسعود لَمّا عاد إلى مكة من الحبشة، رجع إلى النجاشيّ إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم ورد على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة، وهو يتجهز لبدر.
وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما نسخ الكلام بعد الهجرة بمدة يسيرة.
وقال في "الفتح": قوله: "حتى نزلت هذه الآية" ظاهرٌ في أن نسخ الكلام في الصلاة وقع بهذه الآية، فيقتضي أن النسخ وقع بالمدينة؛ لأن الآية مدنية باتفاق، فيُشكل ذلك على قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: إن ذلك وقع لَمّا رجعوا من عند النجاشيّ، وكان رجوعهم من عنده إلى مكة، وذلك أن بعض المسلمين هاجر إلى الحبشة، ثم بلغهم أن المشركين أسلموا، فرجعوا إلى مكة، فوجدوا الأمر بخلاف ذلك، واشتدّ الأذى عليهم، فخرجوا إليها أيضًا، فكانوا في المرة الثانية أضعاف الأولى، وكان ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- مع الفريقين.