للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واختُلِفَ في مراده بقوله: "فلما رجعنا" هل أراد الرجوع الأول، أو الثاني؟، فَجَنَح القاضي أبو الطيب الطبريّ، وآخرون إلى الأول، وقالوا: كان تحريم الكلام بمكة، وحَمَلوا حديث زيد بن أرقم -رضي اللَّه عنه- على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ، وقالوا: لا مانع أن يتقدم الحكم، ثم تنزل الآية بوفقه.

وجَنَح آخرون إلى الترجيح، فقالوا: يترجح حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- بأنه حَكَى لفظ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بخلاف زيد بن أرقم، فلم يَحْكِه.

وقال آخرون: إنما أراد ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- رجوعه الثاني، وقد وَرَد أنه قَدِمَ المدينة، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يتجهز إلى بدر.

وفي "مستدرك الحاكم" من طريق أبي إسحاق، عن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى النجاشي ثمانين رجلًا. . . فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: "فتعجل عبد اللَّه بن مسعود، فشَهِد بدرًا".

وفي "السير" لابن إسحاق: أن المسلمين بالحبشة لما بلغهم أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هاجر إلى المدينة، رَجَع منهم إلى مكة ثلاثة وثلاثون رجلًا، فمات منهم رجلان بمكة، وحُبِس منهم سبعةٌ، وتوجه إلى المدينة أربعة وعشرون رجلًا، فشَهِدوا بدرًا، فعلى هذا كان ابن مسعود من هؤلاء، فظهر أن اجتماعه بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد رجوعه كان بالمدينة، وإلى هذا الجمع نحا الخطابيّ.

قال الحافظ: ولم يَقِفْ مَن تعقب كلامه على مُستَنَده، قال: ويُقَوِّي هذا الجمع روايهْ كُلْثُوم المتمْدمة، فإنها ظاهرة في أن كلًّا من ابن مسعود وزيد بن أرقم حَكَى أن الناسخ قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨].

وأما قول ابن حبان: كان نسخ الكلام بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين، قال: ومعنى قول زيد بن أرقم: "كنا نتكلم" أي كان قومي يتكلمون؛ لأن قومه كانوا يُصلون قبل الهجرة، مع مُصعب بن عُمير الذي كان يُعَلِّمهم القرآن، فلما نُسخ تحريم الكلام بمكة بلغ ذلك أهل المدينة، فتركوه.

فهو متعَقَّب بأن الآية مدنية باتفاق، وبأن إسلام الأنصار، وتوجه مصعب بن عمير إليهم إنما كان قبل الهجرة بسنة واحدة، وبأن في حديث زيد بن أرقم: "كنا نتكلم خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" كذا أخرجه الترمذيّ، فانتفى أن