للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"عَرَضَ لي، فشَدَّ عليَّ"، ووقع في رواية عبد الرزاق: "عَرَضَ لي في صورة هِرٍّ" (وَإِنَّ اللَّهَ أَمْكَنَنِي مِنْهُ) أي جعلني متمكّنًا وقادرًا على معاقبته، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مَكَنَ فلانٌ عند السلطان مكانةً، وزانُ ضَخُمَ ضَخَامةً: عَظُمَ عِنْده، وارتفَعَ، فهو مكينٌ، ومَكّنته من الشيء تمكينًا: جعلتُ له عليه سُلطانًا وقُدرةً، فتمكّن منه، واستمكن: قَدَرَ عليه، وله مَكِنَةٌ: أي قُوَّةً وشِدّةً، وأمكنته بالألف مثلُ مَكَّنته، وأمكنني الأمر: سَهُلَ وتيسّر. انتهى (١).

(فَذَعَتُّهُ) بالذال المعجمة، وتخفيف العين المهملة: أي خنقته، قال مسلم: وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة: "فَدَعَتهُ"، يعني بالدال المهملة، وهو صحيح أيضًا، ومعناه: دفعته دفعًا شديدًا، والدَّعْتُ، والدّعّ: الدفعُ الشديدُ، وأنكر الخطابيّ المهملة، وقال: لا تصحّ، وصححها غيره، وصَوّبوها، وإن كانت المعجمة أوضح وأشهر، وفيه دليل على جواز العمل القليل في الصلاة، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

وفي رواية النسائيّ من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينا أنا قائم أصلي اعترض لي الشيطان، فأخذت بِحَلْقه، فخنقته حتى إني لأجد بَرْدَ لسانه على إبهامي"، وفي لفظ: "على كفّي" (٣).

وفي رواية أحمد عن أبي عبيدة، عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَرّ عليّ الشيطان، فأخذته، فخنقته، حتى إني لأجد بَرْد لسانه في يدي، فقال: أوجعتني، أوجعتني".

(فَلَقَدْ هَمَمْتُ) وفي بعض النسخ: "وقد هَمَمت" (أَنْ) بالفتح مصدريّةٌ (أَرْبِطَهُ) بفتح أوله، وكسر ثالثه، قال في "القاموس": رَبَطَهُ يَرْبِطُهُ، ويَرْبُطُهُ، أي من بابي ضَرَب ونَصَرَ: شَدّه، فهو مربوطٌ، ورَبِيطٌ (٤).

والمعنى هنا أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قصد أن يشدّ العِفْريت (إِلَى جَنْبِ سَارِيَةٍ) هي الأُسطوانة، وجمعها سَوَارٍ، كجاريةٍ وجَوَارٍ (مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ) أي النبويّ


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٧٧.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ٢٩.
(٣) "سنن النسائي الكبرى" ١/ ١٩٦ - ١٩٧.
(٤) "القاموس المحيط" ٢/ ٣٦٠.