للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليها، ولكنه أُلْقِي في رُوعه ما وُهِب سليمان عليه السلام، فلم يُنَفِّذ ما قَوِي عليه من حبسه؛ رغبة عما أراد سليمان الانفراد به، وحرصًا على إجابة اللَّه تعالى دعوته، وأما غير النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من الناس فلا يُمَكَّن منه، ولا يرى أحد الشيطان على صورته غيره؛ لقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ} الآية [الأعراف: ٧٢]، لكنه يراه سائر الناس إذا تشكل في غير شكله، كما تشكل الذي طعنه الأنصاري حين وَجَده في بيته على صورة حَيّة فقتله، فمات الرجل به، فبَيَّن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك بقوله: "إن بالمدينة جنًا قد أسلموا، فإذا رأيتم من هذه الهوامّ شيئًا فآذنوه ثلاثًا، فإن بدا لكم فاقتلوه"، رواه الترمذيّ، والنسائيّ في "عمل اليوم والليلة" من حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي اللَّه عنه-.

[تنبيه]: (اعلم): أن الجن يتصورون في صور شتى، ويتشكلون في صور الإنسان، والبهائم، والحيات، والعقارب، والإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والبغال، والحمير، وفي صورة الطيور.

وقال القاضي أبو يعلى: ولا قدرة للشيطان على تغيير خلقتهم، والانتقال في الصور، إنما يجوز أن يُعَلّمهم اللَّه كلمات وضربًا من ضروب الأفعال، إذا فعله وتكلم به نقله اللَّه من صورة إلى صورة أخرى، وأما أن يتصور بنفسه فذلك محالٌ؛ لأن انتقالها من صورة إلى صورة إنما يكون بنقض البنية، وتفريق الأجزاء، وإذا انتقضت بطلت الحياة، والقول في تشكل الملائكة كذلك. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: كلام أبي يعلى ليس واضحًا، إن أراد نفي قدرة الجنّ على تصوّرهم بالصور المختلفة دون أن يأذن اللَّه به، فهذا حقّ، وإن أراد أنهم لا يتشكّلون بإذن اللَّه تعالى بأشكال مختلفة، فهذا ردّ للنصوص الكثيرة، كقصّة الحيّة المذكورة، وقصّة أسير أبي هريرة حينما كان يحفظ تمرة الصدقة، وهو في الصحيح، وغير ذلك كثير وكثير، فليُتأمّل كلامه، واللَّه تعالى أعلم.

٦ - (ومنها): أنه دليلٌ على إباحة ربط الأسير في المسجد، وعلى هذا بَوّب الإمام البخاريّ في "الصحيح"، فقال: "باب الأسير، أو الغريم يُربط في المسجد"، ومن هذا قال المهلَّب: إن في الحديث جواز ربط مَن خُشِي هُروبه بحق عليه، أو ديني، والتوثُّق منه في المسجد، أو غيره.