بذلك، وابتلاهم؛ ليَفْزَعُوا إليه، ويستعيذوا به من شرهم، ويطلبون الأمان من غائلتهم، ولا يُنكَر أن يكون حكم الخاصّ والنادر من المصطفَينَ من عباده بخلاف ذلك.
وقال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لا حاجة إلى هذا التأويل؛ إذ ليس في الآية ما ينفي رؤيتنا إياهم مطلقًا، إذ المستفاد منها أن رؤيته إيانا مُقَيَّدة من هذه الحيثية، فلا نراهم في زمان رؤيتهم لنا قطّ، ويجوز رؤيتنا لهم في غير ذلك الوقت. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: تعقّب الكرمانيّ وجيهٌ، وقد تقدّم البحث بأتمّ من هذا، فتنبّه.
٣ - (ومنها): أن فيه دليلًا على أن الجن ليسوا باقين على عنصرهم الناريّ؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"إن عدوّ اللَّه إبليس جاء بشهاب من نار؛ ليجعله في وجهي"، وقال:"رأيت ليلة أُسري بي عفريتًا من الجنّ يطلبني بشُعْلة من نار، كلما التفتُّ إليه رأيته"، ولو كانوا باقين على عنصرهم الناريّ، وأنهم نار محرقة، لما احتاجوا إلى أن يأتي الشيطان، أو العفريت منهم بشعلة من نار، ولكانت يد الشيطان، أو العفريت، أو شيء من أعضائه إذا مس ابن آدم أحرقه، كما تُحْرِق الآدمي النارُ الحقيقية بمجرد اللمس، فدل على أن تلك النارية انغمرت في سائر العناصر، حتى صار إلى البرد، ويؤيِّد ذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حتى وجدت بَرْدَ لسانه على يدي"، وفي رواية:"برد لعابه"، قاله في "العمدة"(١).
٤ - (ومنها): أنه يدلّ على أن أصحاب سليمان عليه السلام كانوا يرون الجن، وهو من دلائل نبوته، ولولا مشاهدتهم إياهم لم تكن تقوم الحجة له لمكانته عليهم.
٥ - (ومنها): ما قال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: رؤيته -صلى اللَّه عليه وسلم- للعفريت هو مما خُصّ به كما خُصّ برؤية الملائكة، وقد أخبر أن جبريل له ستمائة جناح، ورأى النبي الشيطان في هذه الليلة، وأقدره اللَّه عليه؛ لتجسّمه لأن الأجسام ممكن القدرة