للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ) أي لم يتأخّر إبليس عما أراده من إلحاق الضرر به -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل تمادى عليه، وقوله: (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) ظرف لما قبله، ويَحْتَمل أن يكون ظرفًا لـ "قلت" من قوله: "قلت: ألعنك بلعنة اللَّه"، أي قلت هذا الدعاء ثلاث مرّات (ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ) يعني أنه لَمّا تمادى على غيّه، ولم يتراجع أراد -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يمسكه، ويعاقبه، وفيه أن اللَّه تعالى أقدره على ذلك، وأمكنه منه، ويؤيّد ذلك ما تقدّم في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "وإن اللَّه أمكنني منه، فذعته" (وَاللَّهِ) فيه جواز الحلف من غير استحلاف؛ لتفخيم ما يخبر به الإنسان وتعظيمه، والمبالغة في صحّته وصدقه، وقد كثرت الأحاديث بمثل هذا، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

(لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ) عليه السلام بقوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: ٣٥].

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه أنه مُخْتَصّ بهذا، فامتنع نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- من ربطه، إما لأنه لم يَقْدِر عليه لذلك، وإما لكونه لَمّا تذكّر ذلك لم يتعاط ذلك؛ لظنه أنه لم يَقْدِر عليه، أو تواضعًا وتأدبًا. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: كونه تركه تواضعًا وتأدّبًا هو الحقّ؛ وأما تركه لعدم القوة عليه فيردّه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وإن اللَّه أمكنني منه"، فقد أخبر أنه ممكَّنٌ من أخذه، وعقابه، وقادر عليه؛ إلا أنه لَمّا تذكّر دعوة سليمان عليه السلام تأدب معه، فتركه؛ تواضعًا منه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللَّه تعالى أعلم.

(لَأَصْبَحَ مُوثَقًا) اسم مفعول، من أوثقه: إذا شدّه، وربطه، أي مربوطًا.

والظاهر أن هذه الواقعة كانت بالليل، فلذلك قال: "لأصبح"، ويَحْتَمل أن يكون "أصبح" بمعنى "صار"، أي لصار موثقًا.

وأما قصّة حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- الماضية، فقد صُرِّح فيها بأنها كانت ليلًا، حيث قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن عفريتًا من الجنّ جعل يَفْتِك عليّ البارحة"، فالبارحة لا تُطلق إلا على الليلة الماضية، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

(يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ") "الوِلدان": بكسر الواو جمع وَليد بمعنى


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ٣١.