عاصم والأعمش فيها، قال: وأضافه أهل المدينة {بِشِهَابٍ قَبَسٍ}، قال: وهذا من إضافة الشيء إلى نفسه، كما قالوا: حبّة الخضراء، ومسجد الجامع، يُضاف الشيء إلى نفسه، ويضاف أوائلها إلى ثوانيها، وهي هي في المعنى، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥)} [الواقعة: ٩٥]، وروى الأزهريّ عن ابن السِّكِّيت، قال: الشهاب: الْعُود الذي فيه نارٌ، قال: وقال أبو الهيثم: الشهاب: أصل خشبة، أو عُود فيها نارٌ ساطعةٌ، قاله في "اللسان".
وقوله:(مِنْ نَارٍ) متعلّق بصفة لـ "شهاب"، كما تقدّم آنفًا في عبارة "اللسان".
(لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي) أي ليجعل ذلك الشهاب في وجهه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يُحرقه به (فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أي قلت هذا الدعاء؛ تحصّنًا باللَّه تعالى الذي قاله حين قال حسدًا، وتجبّرًا وَتكبّرًا:{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: ٦٢]، فقال له: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥)} [الإسراء: ٦٥](ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ) قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل تسميتها تامّةً، أي لا نقص فيها، ويَحْتَمِل الواجبة له المستحقّة عليه، أو الموجبة عليه العذاب سرمدًا.
قال: وفيه دليل على جواز الدعاء لغيره وعلى غيره بصيغة المخاطبة؛ خلافًا لابن شعبان من أصحاب مالك في قوله: إن الصلاة تَبْطُل بذاك.
قال النووي: وكذا قال أصحابنا: تبطل الصلاة بالدعاء لغيره بصيغة المخاطبة، كقوله للعاطس: رحمك اللَّه، أو يرحمك اللَّه، ولمن سَلَّم عليه: وعليك السلام، وأشباهه، والأحاديث السابقة في الباب الذي قبله في السلام على المصلي تؤيد ما قاله أصحابنا، فيُتَأَوّل هذا الحديث، أو يُحْمَل على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة، أو غير ذلك.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن هذا الدعاء على إبليس بالخطاب خاصّ، فيُقتَصَر عليه، فيكون مخصوصًا من عموم النهي عن الدعاء بالخطاب، كالسلام، وتشميت العاطس، وأما حمله على أنه كان قبل تحريم الكلام، ففيه نظر؛ لعدم معرفة التاريخ، واللَّه تعالى أعلم.