وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ادَّعَى بعض المالكية أن هذا الحديث منسوخ، وبعضهم أنه من الخصائص، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكل ذلك دعاوي باطلة مردودة، لا دليل عليها، وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع؛ لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه معفوّ عنه، وثياب الأطفال، وأجسادهم محمولة على الطهارة، حتى تَتَبَيَّن النجاسة، والأعمال في الصلاة لا تُبطلها إذا قَلّت، أو تفرّقت، ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك، وفَعَلَ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا بيانًا للجواز، وتنبيهًا به على هذه القواعد التي ذكرتها.
قال: وهذا يَرُدّ ما ادّعاه الإمام أبو سليمان الخطابيّ أن هذا الفعل يُشبه أن يكون كان بغير تعمد، فحَمَلها في الصلاة؛ لكونها كانت تتعلق به -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يدفعها، فإذا قام بقيت معه، قال: ولا يُتَوَهَّم أنه حملها ووضعها مرة بعد أخرى عمدًا؛ لأنه عمل كثير، ويَشْغَل القلب، وإذا كانت الخميصة شغلته فكيف لا يشغله هذا؟. انتهى كلام الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال النوويّ: وهو باطلٌ ودعوى مجردةٌ، ومما يرُدُّها قوله في "صحيح مسلم": "فإذا قام حملها"، وقوله:"فإذا رفع من السجود أعادها"، وقوله في رواية غير مسلم:"خرج علينا حاملًا أمامة، فصلى. . . " فذكر الحديث.
قال: وأما قضية الخميصة، فلأنها تَشْغَل القلب بلا فائدة، وحمل أمامة لا نسلِّم أنه يشغل القلب، وإن شغله فيترتب عليه فوائد، وبيان قواعد، مما ذكرناه وغيره، فأُحِلّ ذلك الشغلُ لهذه الفوائد، بخلاف الخميصة.
فالصواب الذي لا مَعْدِلَ عنه أن الحديث كان لبيان الجواز، والتنبيه على هذه الفوائد، فهو جائز لنا، وشرع مُستَمِرّ للمسلمين إلى يوم الدين، واللَّه أعلم. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لقد أجاد النوويّ في تحقيق هذه المسألة، وأفاد.
وحاصله جواز حمل الصبيان في الصلاة فرضًا كانت أو نفلًا، وأن ذلك ليس بعمل كثير يُبطل الصلاة؛ لعدم تواليه، وإنما يُبطل الصلاة العمل الكثير، أو المتوالي، وبهذا يحصل الجمع بين حديث الباب، وحديث:"إن في الصلاة لشُغلًا"، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.