وأما ما وقع هنا فقد عرّف المضاف، ونكَر المضاف إليه، ونظيره ما وقع في "صحيح البخاريّ" في قصّة الرجل الذي استسلف ألف دينار، فقال:"ثم قَدِمَ الذي كان أسلفه، وأتى بالألف دينار"، وأوّله الدمامينيّ بتقدير مضاف من المعرّف، أي بالألف ألف دينار، قال: ولا يقال: إن "أل" زائدة؛ لأن ذلك لا ينقاس. انتهى.
وقد تقدّم البحث في هذه المسألة في هذا الشرح مستوفى، في "كتاب الإيمان" برقم (٧١/ ٣٨٨)، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، وباللَّه تعالى التوفيق.
(ثُمَّ أَمَرَ بِهَا) أي بتلك الأعواد المصنوع منها المنبر (رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَوُضِعَتْ) بالبناء للمفعول (هَذَا الْمَوْضِعَ) منصوب على الظرفيّة لـ "وُضعت"، وهو مقيسٌ؛ لوجود شرطه، وهو كونه من مادَّته، كما قال في "الخلاصة":
والمعنى: أن تلك الأعواد وُضِعت في محلّها التي هي فيه حينما حدّثهم سهل -رضي اللَّه عنه- بالحديث، ولا زال موضعها إلى الآن.
(فَهِيَ) أي تلك الأعواد المصنوع منها المنبر (مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ) وفي رواية للبخاريّ من طريق ابن عيَينة، عن أبي حازم:"هو من أثل الغابة".
و"الطَّرْفَاء" -بفتح الطاءَ، وسكون الراء المهملتين، وبعد الراء فاء ممدودة- قال سيبويه: الطرْفاء: واحدٌ، وجمعٌ، والطرفاء: اسم للجمع، وقيل: واحدتها: طرْفَاءة، وقال ابن سِيدَه: والطرَفَة: شجرة، وهي الطَّرَف، والطرْفاء: جماعة الطَّرَفَة، وبها سمي طَرَفَة بن العبد، والطَّرَفُ -بفتحتين-: اسم يُجْمَعُ على طَرْفَاء، وقَلّمَا يُسْتَعمَل في الكلام إلا في الشعر، والواحدة طَرَفَة، وقياسه قَصَبَة، وقَصَب، وقَصْبَاء وشجَرَة، وشَجَرٌ، وشَجْراء، أفاده في "اللسان".
و"الأثْلُ" -بفتح، فسكون-: شَجَرٌ يُشْبِهُ الطَّرفاء، إلا أنه أعظم منه، وأكرم، وأجود عُودًا، تُسَوَّى به الأَقْداح الصُّفْر الجِيَاد، وفي "الصحاح": هو نوع من الطرفاء، والأثْلُ: أصول غليظة، يُسَوَّى منها الأبواب، وغيرها، ووَرَقُهُ عَبْلٌ كوَرَق الطرْفَاء.