للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "العمدة": فإن قلت: رَوَى أبو داود عن ابن عمر: "أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لما بَدَّنَ قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرًا يا رسول اللَّه، يَجْمَع -أو يَحْمِل- عظامك؟، قال: "بلى" فاتخذ له منبرًا مِرْقاتين". أي اتخذ له منبرًا درجتين، فبينه وبين ما ثبت في الصحيح أنه ثلاث درجات منافاة.

قلت: الذي قال: مرقاتين لم يَعتبر الدرجة التي كان يجلس عليها -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى (١).

(يَعْمَلْ لِي) بجزم الفعل في جواب الأمر، وهو "انظري"، ويَحْتَمِل أن يكون مرفوعًا على الاستئناف البيانيّ، كما مرّ نظيره غير مرّة.

(أَعْوَادًا) بالنصب على المفعوليّة، وهو بالفتح: جمع عُود بالضمّ، وهو الخشب، ويُجمع أيضًا على عِيدان، والمراد أن يجمع الأعواد، ويرتّبها، ويصنعها على وجه يُمكن الجلوس عليها.

وفي رواية البخاريّ: "مُري غلامك النجّار أن يَعمل لي أعوادًا أجلس عليهنّ إذا كلّمت الناس".

(أُكُلِّمُ النَّاسَ عَلَيْهَا") جملة في محلّ نصب صفة لـ "أعوادًا"، أي أخطب الناس على تلك الأعواد، أي على المنبر المصنوع منها، ويَحتمل أن تكون الجملة مستأنفةً استئنافًا بيانيًّا، كأنه قيل له: ما تصنع بالأعواد؟ فقال: أكلّم الناس عليها.

(فَعَمِلَ هَذ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ) هكذا الرواية في "صحيح مسلم"، بتنكير "درجات"، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا مما يُنكره أهل العربيّة، والمعروف عندهم أن يقول: "ثلاث الدرجات"، أو "الدرجات الثلاث"، وهذا الحديث دليلٌ لكونه لغةً قليلةً. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: القاعدة في هذه المسألة أن العدد إذا كان مضافًا، وأردت تعريفه عرّفت الآخر، وهو المضاف إليه، فيصير الأول مضافًا إلى معرفة، فتقول: "ثلاثة الأثواب"، و"مائة الدرهم"، و"ألف الدينار"، وأجاز الكوفيّون الثلاث الأثواب بتعريف الجزأين.


(١) "عمدة القاري" ٦/ ٣١١.
(٢) "شرح النووي" ٥/ ٣٤ - ٣٥.