للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصلاة، فكبر، وهو على المنبر"، فأفادت هذه الرواية تقدُّم الخطبة على الصلاة. انتهى (١).

(فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى) أي نزل من المنبر نزولًا إلى جهة ورائه؛ لئلا يستدبر القبلة.

و"القَهْقَرى": الرجوعُ إلى خَلْفُ، فإذا قلت: رَجَعتُ القَهْقَرى، فكأنك قلت: رجعت الرجوعَ الذي يُعرفُ بهذا الاسم؛ لأن القهقرى ضرب من الرجوع، وقَهْقَرَ الرجلُ في مِشيته: فَعَلَ ذلك. وتقهقر: تراجع على قفاه، والقَهْقرى: مصدر قَهْقَرَ: إذا رجع على عقبيه. قاله في "اللسان" (٢).

وقال في "العمدة": قيل: يقال: رجع القهقرى، ولا يقال: نزل القهقرى؛ لأنه نوع من الرجوع، لا من النزول.

وأجيب بأنه لما كان النزول رجوعًا من فوق إلى تحت صحّ ذلك (٣).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي ذكره العينيّ لا حاجة إليه؛ لأن معنى القهقرى موجود في حال النزول، إذ هو الرجوع إلى خلفُ، ونزول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إلى جهة خلفه، وإنما فعل ذلك محافظة على استقبال القبلة، فتبصر، واللَّه تعالى أعلم.

(حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ) أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه (ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ فِيْ آخِرِ صَلَاِتِهِ) يعني أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجع إلى درجات المنبر بعد القيام من السجدة الثانية، ثم فعل هكذا إلى أن انتهى من تلك الصلاة.

قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا العمل القليل لا يبطل الصلاة، وقد فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- لبيان كيفية الصلاة، وجواز هذا العمل، فلا إشكال، ويُفْهَم منه أن نظر المقتدي إلى إمامه جائز. انتهى.

(ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ) وفي رواية البخاريّ: "فلَمّا فرغ أقبل على الناس" (فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا) وفي رواية البخاريّ: "إنما صنعت هذا" بدون "إنّي" (لِتَأْتَمُّوا بِي) -بكسر اللام-: أي لتقتدوا بأفعالي (وَلِتَعَلَّمُوا


(١) "الفتح" ٢/ ٤٦٤.
(٢) "لسان العرب" ٥/ ٣٧٦٥.
(٣) "عمدة القاري" ٦/ ٢١٦.