للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"فإن ربه بينه وبين القبلة" فهذا لفظ مُحْتَمِلٌ أن يفسر بما يوافق النصوص المحكمة، كما أشار الإمام ابن عبد البر إلى ذلك، ولا يجوز حمل هذا اللفظ وأشباهه على ما يناقض نصوص الاستواء الذي أثبتته النصوص القطعية المحكمة الصريحة، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الردّ حسنٌ جدًّا، إلا قوله: "بذاته" فإنها وإن وُجِدت في عبارة بعض العلماء لإيضاح المعنى، فلا ينبغي ذكرها؛ لئلا يكون زيادة على النصّ، وقد أنكر الحافظ الذهبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كتابه "العلو للعلي الغفار" على من قال: "هو تعالى فوق عرشه بذاته"؛ لعدم ورودها عن السلف، واعتبرها من فضول الكلام (١).

وأما ما نقله في "الفتح" عن الخطابيّ، وكذا قول السنديّ: إنه يناجيه، ويقبل عليه تعالى في تلك الجهة، وهو تعالى من هذه الحيثية كأنه في تلك الجهة، فلا يليق إلقاء البصاق فيها. انتهى، ففيه نظر لا يخفى.

والحاصل أن الصواب في هذا الباب إثبات النصوص كما وردت على ظاهر معناها على الوجه الذي أراده اللَّه تعالى مع اعتقاد تنزيه اللَّه تعالى عن مشابهة الخلق، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، واللَّه تعالى أعلم.

(إِذَا صَلَّى) أي دخل في الصلاة، ونصّ في الحديث على النهي عن البصاق قبل وجهه حال الصلاة، لفضيلة تلك الحال على سائر الأحوال، وإلا فالبصاق إلى جهة القبلة ممنوع مطلقًا، في الصلاة وغيرها، وفي المسجد وغيره، كما يأتي قريبًا، خلافًا لمن خَصّه بقبلة المسجد، أو حال الصلاة.

وقال الباجيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل أن يكون خَصّ بذلك حال الصلاة؛ لأنه حينئذ يكون مستقبل القبلة، وفي سائر الأحوال قد تكون عن يساره، وهي الجهة التي أمر بالبصاق إليها. انتهى (٢)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) انظر: "مختصر العلو" للعلامة الألباني -رَحِمَهُ اللَّهُ- (ص ٢٥٥ - ٢٥٦).
(٢) ذكره في: "المنهل العذب المورود" ٤/ ٩٩.