للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): هل المراد بقوله في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عند البخاري: ". . . فإنه مُنَاجٍ للَّه عزَّ وجلَّ ما دام في مصلاه"، أي المكان الذي صلى فيه، أو المسجد الذي صلى فيه، أو المراد بالمصلَّى نفس الصلاة؟ والأول هو الحقيقة، فحمله عليه أولى، ويدل على الثاني قوله في حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "فإن اللَّه قِبَل وجهه إذا صلى"، واللَّه تعالى أعلم.

وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ما دام في مصلاه" يقتضي تخصيص المنع بما إذا كان في الصلاة، لكن التعليل المتقدم بأذى المسلم يقتضي المنع في جدار المسجد مطلقًا، ولو لم يكن في صلاة، فيُجْمَع بأن يقال: كونه في الصلاة أشدّ إثمًا مطلقًا، وكونه في جدار القبلة أشدّ إثمًا من كونه في غيرها من جدار المسجد، فهي مراتب متفاوتة مع الاشتراك في المنع. انتهى (١)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): ثبت في رواية أبي داود تعليل النهي عن البصاق في اليمين بأن فيه ملكًا، قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فإن قلنا: المراد بالملك الكاتب، فقد يُسْتَشْكَل اختصاصه بالمنع مع أن عن يساره ملكًا آخر.

وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمين تشريفًا له وتكريمًا، هكذا قال جماعة من القدماء، ولا يخفى ما فيه.

وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أمّ الحسنات البدنية، فلا دخل لكاتب السيئات فيها، ويَشهَد له ما رواه ابن أبي شيبة من حديث أبي أمامة في هذا الحديث: "فإنه يقوم بين يدي اللَّه، وملكه عن يمينه، وقرينه عن يساره". انتهى.

فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين، وهو الشيطان، ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، أو أنه يتحوّل في الصلاة إلى اليمين، واللَّه تعالى أعلم. انتهى (٢)، وهو توجيه حسنٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): أَطْلق في هذا الحديث الإذن في أن يبصق عن


(١) "الفتح" ٢/ ٧٣ - ٧٤.
(٢) "الفتح" ٢/ ٧٤.