النهي عن البزاق فيه، وإن لم يكن قام إلى الصلاة، كما ثبت في حديث أنس المتفق عليه:"البزاق في المسجد خطيئة".
[الثالثة]: هذا النهي عن بصاق المصلي أمامه، أو عن يمينه، هل هو على التحريم، أو التنزيه؟.
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إن إقباله -صلى اللَّه عليه وسلم- على الناس مُغْضبًا يدل على تحريم البصاق في جدار القبلة، وعلى أنه لا يُكَفَّر بدفنه، ولا بحكه، كما قال في جملة المسجد:"البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها".
قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويدل على تحريم البصاق في القبلة ما رواه أبو داود بإسناد جيِّد من حديث السائب بن خلاد -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا أمَّ قومًا، فبصق في القبلة، ورسول اللَّه كليم ينظر إليه، فقال حين فرغ:"لا يصلي لكم. . . " الحديث. وفيه أنه قال له:"إنك آذيت اللَّه ورسوله".
وأطلق جماعة من الشافعيين كراهية البصاق في المسجد، منهم المحامليّ، وسُلَيم الرازيّ، والرويانيّ، وأبو العباس الجرجانيّ، وصاحب "البيان" رحمهم اللَّه، وجزم النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح المهذَّب"، و"التحقيقِ" بتحريمه، وكأنه تمسك بقوله في الحديث الصحيح:"إنه خطيئة".
وقال أبو الوليد الباجيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فأما من بصق في المسجد، وستر بصاقه، فلا إثم عليه، وحكى القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أيضًا عن ابن مكيّ إنه إنما يكون خطيئة لمن تفل فيه ولم يدفنه، قال القرطبيّ: وقد دل على صحة هذا قوله في حديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه- عند مسلم:"ووجدت في مساوي أعمالها: النخامة تكون في المسجد، لا تدفن"، فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد، بل بذلك، وببقائها غير مدفونة.
قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويدل عليه أيضًا إذنه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك في حديث الباب بقوله:"أو تحت رجليه، فيدفنه"، إن حملنا الحديث على إرادة كونه في المسجد، كما تقدم، وهو مصرح به في حديث أبي سعيد، وحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا التفصيل عندي هو الأولى جمعًا بين الأحاديث.