للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على إلحاق المجامع بالمساجد، كمُصَلَّى العيد والجنازة، ومكان الوليمة، وقد ألحقها بعضهم بالقياس، والتمسكُ بهذا العموم أولى، ونظيره قوله: "وليقعد في بيته"، لكن قد عُلِّل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة، وترك أذى المسلمين، فإن كان كلٌّ منهما جزءَ علة اختَصَّ النهي بالمساجد، وما في معناها، وهذا هو الأظهر، وإلا لعمَّ النهيُ كلَّ مجمع كالأسواق، ويؤيِّد هذا البحث قوله في حديث أبي سعيد الآتي في الباب: "من أكل من هذه الشجرة شيئًا، فلا يقربنا في المسجد"، قال القاضي ابن العربيّ: ذكر الصفة في الحكم يدلّ على التعليل بها، ومِن ثَمَّ رُدَّ على المازريّ حيث قال: لو أن جماعة مسجد أكلوا كلهم ما له رائحة كريهة لم يمنعوا منه، بخلاف ما إذا أكل بعضهم؛ لأن المنع لم يَختَصّ بهم، بل بهم وبالملائكة، وعلى هذا يتناول المنعُ من تناول شيئًا من ذلك، ودخل المسجد مطلقًا، ولو كان وحده. انتهى (١).

٣ - (ومنها): أن بعضهم استدلّ بأحاديث الباب على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين.

قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الحديث صريح في التخلّف عن الجماعة في المساجد بسبب أكل هذه الأمور؛ لأن اللازم من منعه أحدُ أمرين: إما أن يكون أكلُ هذه الأمور مباحًا، فتكون صلاة الجماعة ليست فرض عين، أو حرامًا، فتكون صلاة الجماعة فرضًا، وجمهور الأمة على إباحة أكلها، فيلزم أن لا تكون الجماعة فرض عين.

وتقريرُه أن يقال: أكل هذه الأمور جائز، ومن لوازمه ترك صلاة الجماعة، وترك الجماعة في حقّ آكلها جائزٌ، ولازم الجائز جائز، وذلك ينافي الوجوب.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تعقّب هذا التقرير العلامة عبد العزيز بن باز -رَحِمَهُ اللَّهُ- فيما علّقه على "الفتح"، فقال: ليس هذا التقرير بجيّد، والصواب أن أكل هذه الخضروات ذوات الرائحة الكريهة لا ينافي كون الجماعة فرض عين،


(١) "الفتح" ٢/ ٣٩٩.