للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كما أن حضور الطعام يُسوّغ ترك الجماعة لمن قُدِّم بين يديه مع كون ذلك مباحًا.

وخلاصة الكلام أن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- يسّر على عباده، وجعل مثل هذه المباحات عُذرًا في ترك الجماعة لمصلحة شرعيّة، فإذا أراد أحد أن يتخذها حيلةً لترك الجماعة حرُم عليه ذلك. انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تعقّب حسنٌ، واللَّه تعالى أعلم.

٤ - (ومنها): أن ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- قال: ونُقل عن أهل الظاهر، أو بعضهم تحريم أكل الثُّوم؛ بناءً على وجوب صلاة الجماعة على الأعيان.

وتقرير هذا أن يقال: صلاة الجماعة واجبةٌ على الأعيان، ولا تتمّ إلَّا بترك أكل الثُّوم؛ لهذا الحديث، وما لا يتمّ الواجب إلَّا به، فهو واجبٌ، فترك أكل الثوم واجب، فيكون حرامًا. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا النقل عن أهل الظاهر غير صحيح، فقد صرّح ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- بخلافه، قال في "الفتح" بعد نقل كلام ابن دقيق العيد هذا ما نصّه: وكذا نقله غيره عن أهل الظاهر، لكن صَرّح ابن حزم منهم بأن أكلها حلالٌ، مع قوله بأن الجماعة فرض عين، وانفَصَل عن اللزوم المذكور بأن المنع من أكلها مُخْتَصّ بمن عَلِمَ بخروج الوقت قبل زوال الرائحة، ونظيره أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها، ومع ذلك تسقط بالسفر، وهو في أصله مباح، لكن يَحْرُم على من أنشأه بعد سماع النداء. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما قاله ابن حزم: هو الصواب؛ لموافقته للنصوص الواردة في هذا الباب.

وحاصله أن صلاة الجماعة فرض، وأن أكل هذه الأشياء مباحٌ، وأنه يُسقط عمن أكلها فرض صلاة الجماعة حتى تزول رائحتها.

ومنه يتبيَّن أن قول الخطّابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: توهَّم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلّف عن الجماعة، وإنما هو عقوبة لآكله على فعله؛ إذ حُرِم فضل الجماعة. انتهى. غير سديد، بل الصواب أنه عذرٌ في التخلُّف عنها؛ لظاهر النصّ؛ لأن من فعل ما أُبيح له لا يُعِاقب على فعله، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.