للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى الأمر هنا: الْعَرْضُ، والتحضيض، أو الْفُتيا بأنه يجب عليه أن يستخلف، وأنه مأمورٌ بذلك من جهة اللَّه تعالى، وظاهر هذا الأمر أنه إنما كان من هؤلاء الأقوام لَمّا سَمِعُوا من عمر -رضي اللَّه عنه- تأوله لمنامه بحضور أجله، وهذا قبل وقوع طعنه.

وَيَحْتَمِلُ أن يكون هذا بعد أن طُعِنَ، ويكون بعض الرواة ضمّ أحد الخبرين إلى الآخر، وعلى هذا يدلّ مساقُ هذا الخبر. انتهى (١).

(وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ) يَحْتَمِلُ أن يكون مضارع ضَيّع بالتشديد، من التضييع، ويَحْتَمِل أن يكون بالتخفيف، من الإضاعة، وبها جاء القرآن، قال اللَّه تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية [البقرة: ١٤٣].

وقوله: (دِينَهُ) منصوب على المفعوليّة، وكذا قوله: (وَلَا خِلَافَتَهُ) وقوله: (وَلَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-) من عطف المؤكِّد على المؤكَّد؛ لأن الذي بُعِثَ به -صلى اللَّه عليه وسلم- هو دين اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه: إن أستخلف فحسَنٌ، وإن تركتُ الاستخلاف فحسنٌ، فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يستخلف؛ لأن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- لا يضيع دينه، بل يُقيم له من يقوم به. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما قال ذلك عمر -رضي اللَّه عنه-؛ لأنه عَلِمَ مما قد فَهِمَه من كتاب اللَّه تعالى، وسَمِعه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن اللَّه تعالى يستخلف المؤمنين في الأرض، ويُمكِّنُ لهم دينهم، ويُظهره على الدين كلّه، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي} [النور: ٥٥] الآية، فقال ذلك ثقةً بوعد اللَّه، وتوكّلًا عليه.

والخلافة هنا: القيام بأمر أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- على نحو ما قام به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبو بكر، وعمر -رضي اللَّه عنهما-. انتهى (٣).

(فَإِنْ عَجِلَ) بكسر الجيم، يقال: عَجِلَ عَجَلًا، من باب تَعِبَ وعَجَلَةً:


(١) "المفهم" ٢/ ١٦٩.
(٢) "شرح النووي" ٥/ ٥٢.
(٣) "المفهم" ٢/ ١٧٠.