فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليّ، واللَّه عليّ أن لا آلُو عن أفضلكم، قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والقِدَم في الإسلام ما قد علمتَ، فاللَّه عليك لئن أَمَّرتُك لتعدِلَنّ، ولئن أمَّرتُ عثمان لتَسمَعَنّ، ولَتُطيعنّ، ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق، قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايَعَهُ، فبايع له عليّ، ووَلَجَ أهل الدار، فبايعوه. انتهى.
وروى مالك في "الموطّأ" عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، أنه سمعه يقول: لَمّا صَدَر عمر بن الخطاب من مني، أناخ بالأبطح، ثم كَوَّم كُومة بطحاء، ثم طَرَح عليها رداءه، واستلقى، ثم مَدَّ يديه إلى السماء، فقال: اللهم كَبِرت سني، وضَعُفت قُوّتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مُضَيِّع، ولا مُفَرِّط، ثم قَدِم المدينة، فخطب الناس، فقال: أيها الناس قد سُنَّت لكم السُّنَنُ، وفُرِضت لكم الفرائض، وتُرِكتم على الواضحة، إلَّا أن تَضِلُّوا بالناس يمينًا وشمالًا، وضرب بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال: إياكم أن تَهْلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حَدَّين في كتاب اللَّه، فقد رَجَم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورجمنا، والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب اللَّه تعالى، لكتبتها:"الشيخُ والشيخةُ فارجموهما البتة"، فإنا قد قرأناها، قال مالك: قال يحيى بن سعيد، قال سعيد بن المسيِّب: في انسلخ ذو الحجة حتى قُتِلَ عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ-. انتهى (١).
(وَإِنِّي) بكسر الهمزة عطفًا على "إني" الماضي (لَا أُرَاهُ) بضمّ الهمزة، أي لا أظنّ تفسير ما رأيته من نَقَرات الديك، ويَحْتَمِل أن يكون "أَرَاهُ" بفتح الهمزة، بمعنى أعتقده (إِلَّا حُضُورَ أَجَلِي) أي إلَّا كونها إشارةً إلى قرب موتي (وِإنَّ) بالكسر أيضًا؛ لما مرّ آنفًا (أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي) بنونين: الأولى نون الرفع، والثانية نون الوقاية، وفي بعض النسخ بنون واحدة، فيحتمل أن يكون بالتخفيف على حذف إحدى النونين، ويَحْتَمِل أن يكون بالتشديد على الإدغام (أَنْ) بالفتح مصدريّة (أَستَخْلِفَ) أي أجعل خليفة يقوم مقامي في أمر الأمة.