للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لكن قد اهتدى علماء السلف لفهم الآيتين، وأوضحوا ذلك، فتبيَّن الصبح لذي العينين، وسيأتي ذلك في موضعه - إن شاء اللَّه تعالى. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.

(ثُمَّ قَالَ) عمر -رضي اللَّه عنه- (اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ) أي الذين ولّاهم على أمصار المسلمين النائية من المدينة (وَإِنِّي) وفي نسخة: "فإني" (إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيْهِمْ) أي على أهل الأمصار (لِيَعْدِلُوا) بكسر الدال، من العَدْل -بفتح، فسكون- وهو خلاف الْجَوْر، قال الفيّومي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: العَدْلُ: القَصْدُ في الأمور، وهو خلاف الْجَورِ، يقال: عَدَلَ في أمره عَدْلًا، من باب ضَرَبَ، وعدل على القوم عَدْلًا أيضًا، ومَعْدِلَةً بكسر الدال وفتحها، وأما عَدَلَ يَعْدَل بكسر الدال في الماضي، وفتحها في المضارع، من باب تَعِبَ، فهو بمعنى جار وظَلَم. انتهى بتصرّف (٢). (عَلَيْهِمْ، وَلِيُعَلِّمُوا) بتشديد اللام، من التعليم (النَّاسَ دِينَهُمْ) وقوله: (وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ -صلى اللَّه عليه وسلم-) عطف تفسير وبيان لـ "دينهم"؛ لأن دينهم هو سنّة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو الإسلام، قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، وهو الذي أكمله اللَّه تعالى، ورضيه لنا، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣] (وَيَقْسِمُوا فِيهِمْ فَيْئَهُمْ) بفتح الفاء، وسكون التحتانيّة، وهو: ما أصيب من أموال الكفّار بعد أن تضع الحرب أوزارها، وأما ما أُصيب منهم عَنْوَةً، والحرب قائمةٌ، فهو الغنيمة.

قال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الْفيءُ": هو ما حصل للمسلمين من أموال الكفّار من غير حرب، ولا جهاد، وأصل الفيء: الرجوع، يقال: فاء يفيء فِئَةً، وفُيُوءًا، كأنه كان أصله لهم، فرجع إليهم، ومنه قيل للظلّ الذي يكون بعد الزوال: فيءٌ؛ لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق.

قال: والغَنِيمة: ما أصيب من أموال أهل الحرب، وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب. انتهى كلام ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٣).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لقد صدق في قوله: "كأنه كان أصله لهم إلخ"؛


(١) "المفهم" ٢/ ١٧٣.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٣٩٦.
(٣) "النهاية" ٣/ ٣٨٩ و ٤٨٢.