لأن منافع الدنيا من المال وغيره خُلقت؛ ليستعين بها المؤمنون على طاعة اللَّه تعالى، قال اللَّه تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الأعراف: ٣٢] الآية، فاستولى عليها الكفّار، واغتصبوها منهم، فلما أقام المؤمنون الجهاد، وغلبوا عليهم، وأخذوا أموالهم، فقد رجع إليهم ما اغتصبوه منهم، فلهذا سمّاه اللَّه تعالى فيئًا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(وَيَرْفَعُوا) أي أمراء الأمصار (إِلَيَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ) أي أمر أهل الأمصار الذي لا يستطيعون حلّه، ولا يقدرون على أن يقيموه على الوجه المطلوب، فيرفعوه إلى وليّ الأمر حتى يقوم بحلّ ما أشكل منه، ويُعينهم على إقامته على الوجه المطلوب.
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ) تقدّم أن إطلاق الشجر على ما لا ساق له، مثل البصل والثوم جائز لغةً، وهو الراجح؛ لأحاديث هذا الباب الصحيحة، وإن كان أكثر أهل اللغة لا يُطلقونه إلا على ما له ساق، وأما ما لا ساق له، فهو النَّجْم، فتنبّه.
وقوله:(لَا أَرَاهُمَا) بالبناء للفاعل: أي لا أعتقدهما (إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ) جملة في محل نصب على الحال، سُمِّيَا خبيثتين؛ لقبح رائحتهما، وتقدّم أن الخبيث في اللغة: هو المكروه من قول، أو فعل، أو غير ذلك، وقوله:(هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ) يَحْتَمِل النصب على البدليّة من "شجرتين"، ويَحْتَمِل الرفع، على أنه مبتدأ وخبره، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيّا، كأنه قيل له: ما هاتان الشجرتان؟، فأجاب بقوله: هذا البصلُ والثُّومُ.
(لَقَدْ) وفي نسخة: "ولقد" بالواو (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا) أي ريح البصل والثوم (مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ) النبويّ (أَمَرَ بِهِ) أي بإخراجه من المسجد (فَأُخْرِجَ) بالبناء للمفعول (إِلَى الْبَقِيعِ) بفتح الموحّدة، وكسر القاف: مقبرة المدينة، وإنما أُخرج إلى ذلك المكان البعيد، ولم يُترك خارج المسجد؛ تشديدًا في تأديبه حتى لا يعود مرّةً أخرى.
(فَمَنْ أَكَلَهُمَا) أي من أراد أكل البصل والثُّوم (فَلْيُمِتْهُمَا) بضمّ حرف المضارعة، من الإماتة، أي ليُزل رائحتهما الكريهة (طَبْخًا) منصوب بنزع