للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): لا يجوز رفع الصوت في المسجد بقراءة القرآن، أو الذكر؛ فقد أخرج أحمد، وأبو داود، واللفظ له، بإسناد صحيح، عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: اعتكف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد، فسمعهم يَجهَرون بالقراءة، فكَشَف السِّترَ، وقال: "ألا إن كلكم مُنَاجٍ ربَّهُ، فلا يُؤذيَنَّ بعضُكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة"، أو قال: "في الصلاة".

وأخرج أحمد بإسناد صحيح، عن البياضيّ -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج على الناس، وهم يصلّون، وقد عَلَت أصواتهم بالقراءة، فقال: "إن المصلّي يناجي ربه عزَّ وجلَّ، فلينظر ما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن".

وأخرج أيضًا عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: اعتكف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في العشر الأواخر من رمضان، فاتُّخِذ له فيه بيتٌ من سَعَفٍ، قال: فأخرج رأسه ذات يوم، فقال: "إن المصلي يناجي ربه عزَّ وجلَّ فلينظر أحدكم بما يناجي ربه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة"، وفي سنده محمد بن أبي ليلى متكلّم فيه، لكن يشهد له ما قبله، فهو صحيح.

وقد نصّ العلماء من أصحاب المذاهب المتبوعة على ذلك، فقال في "الدرّ المختار" من كتب الحنفيّة: يحرم في المسجد رفع الصوت بالذكر، إلا للمتفقّهة. انتهى. وقال في "البحر الرائق" من كتبهم أيضًا: إذا جهر الإمام فوق حاجة الناس فقد أساء.

وقال في "مختصر الخليل" من كتب المالكيّة، وشروحه، وحواشيه: يكره رفع الصوت بقراءة القرآن في المسجد؛ خشية التشويش على المصلّين والذاكرين، فإن شوّش حرُم اتّفاقًا. انتهى.

وقال ابن العماد: تحرم القراءة جهرًا على وجه يُشَوِّش على نحو مصلٍّ. انتهى. وذكر مثله في كتب الشافعيّة والحنبليّة، نقل هذه الأقوال في "المنهل" (١).

والحاصل أنه لا يجوز التشويش على المصلّين، والمعتكفين في المسجد


(١) "المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود" ٤/ ٨٨ - ٨٩.