للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[وأجيب]: بأن ذلك لا يَمنع تناول النافلة؛ لأن الإتيان بها حينئذ مطلوب، لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بين كلّ أذانين صلاة" (١)، واللَّه تعالى أعلم.

(جَاءَهُ الشَّيْطَانُ) الظاهر أن "أل" فيه للعهد الذهنيّ، وهو شيطان الصلاة الذي يُسمّى خَنْزَب، فسيأتي للمصنّف في "كتاب السلام" أن عثمان بن أبي العاص -رضي اللَّه عنه- أتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يَلْبِسها عليّ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذاك شيطان يقال له: خَنْزَب، فإذا أحسسته، فتعَوَّذ باللَّه منه، واتفُلْ على يسارك ثلاثًا"، قال: ففعلت ذلك، فأذهبه اللَّه عني.

(فَلَبَسَ عَلَيْهِ) أي خَلَطَ عليه صلاته، وهو: بفتح الموحّدة المخففة، من الثلاثيّ، يقال: لَبَس عليه يَلْبِسُ، من باب ضرب: إذا خلطه عليه، وجعله مشتبهًا بغيره، خافيًا حتى لا يعرف جهته، والمعنى هنا: خلط عليه أمر صلاته، وشوّش عليه خاطره.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو بالتخفيف هنا، أي خلط عليه صلاته، وشبّهها عليه، وشكّكه فيها (٢).

وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو بالتخفيف، وربّما شُدّد للتكثير. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يُرْوَى مخفف الباء ومشدَّدها، وهي مفتوحة في الماضي مكسورة في المستقبل، ومعناه: خَلَطَ، يقال: لَبَستُ عليه الأمر أَلْبِسُهُ: أي خَلَطته، ومنه قوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: ٩]، فأما بكسر الباء في الماضي، وفتحها في المستقبل: فهو من لِبَاس الثوب، ومنه قوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف: ٣١]. انتهى (٤).

(حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى؟ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ) الإشارة إلى التردّد وعدم العلم، ويَحْتَمِل أن يكون للسهو.

(فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) أي ترغيمًا للشيطان حيث لَبَسَ عليه صلاته، وليس


(١) "المرعاة" ٣/ ٣٩٤.
(٢) "شرح النووي" ٥/ ٥٧.
(٣) "النهاية" ٤/ ٢٢٦.
(٤) "المفهم" ٢/ ١٧٧ - ١٧٨.