للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالمصير إليها واجب (١).

والحاصل أنّ حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا مُجْمَل، يجب حمله على الأحاديث الأخرى المبيِّنة للمراد منه، فيكون المعنى: فليسجد سجدتين بعد البناء على غالب الظنّ، إن كان له غلبة ظنّ وميلُ قلب إلى أحد الطرفين، أو البناء على اليقين، إن لم يكن له ذلك، كما هو المذهب الراجح فيما سيأتي بيانه -إن شاء اللَّه تعالى-، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم سجود السهو:

(اعلم): أنهم اختلفوا فيه، هل هو واجب لا بدّ منه، أو سنة؟.

فمذهب الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وكافة أصحابه أنه سنة، وحكاه الشيخ أبو حامد عن جمهور العلماء.

وقال القاضي عبد الوهّاب المالكي: الذي يقتضيه مذهبنا أنه واجب في سهو النقصان.

وقال القرطبي: من أصحابنا من قال: سجود السهو مندوب، وقال بعض أصحابنا: السجود للنقص واجب، وللزيادة فضيلة، ثم اختلفوا هل ذلك في كلّ نقص، أو يختص الوجوب بما كان المسقط فعلًا، ولم يكن قولًا؟ روايتان.

والصحيح من مذهب الحنفية: أن سجود السهو واجب كذلك، قاله في "الهداية"، وكذلك حكاه الشيخ أبو حامد الإسفراييني وغيره عنهم أنه واجب يأثم بتركه، وليس بشرط لصحّة الصلاة، وهو اختيار الكرخي منهم، وبعض أصحابهم قال: إنه سنة كمذهب الشافعي.

وأما مذهب أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فأفعال الصلاة منقسمة عندهم على ثلاثة أنواع:

[أحدها]: أركان يُبطل الصلاةَ الإخلال بها عمدًا، ويجب تداركها إذا تركت سهوًا، كتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع والسجود ونحوها.

[وثانيها]: واجبات، من ترك منها شيئًا عمدًا بطلت صلاته، ومن تركه سهوًا لم تبطل، ولم يتداركه، بل يسجد للسهو، كتكبيرات الانتقالات، والتشهد الأول، والجلوس له، والتسبيح في الركوع، وفي السجود وأشباهها.


(١) راجع: "نيل الأوطار" في هذا ٣/ ١٤١ - ١٤٢.