صلّى ستّا لا خمسًا، وهذا إنما يكون قبل السلام، ومالك هنا يقول: يسجد بعد السلام.
فهذا القول الذي نصرناه، هو الذي يُستَعْمَل فيه جميع الأحاديث، لا يُترك منها حديثٌ، مع استعمال القياس الصحيح فيما لم يَرِدْ فيه نَصٌّ، وإلحاق ما ليس بمنصوص بما يُشبهه من المنصوص.
ومما يُوَضِّح هذا أنه إذا كان مع السلام سهوٌ سجد بعد السلام، فيقال: إذا زاد غير السلام من جنس الصلاة، كركعة ساهيًا، أو ركوع، أو سجود ساهيًا، فهذه زيادة لو تعمدها بطلت صلاته كالسلام، فإلحاقها بالسلام أولى من إلحاقها بما إذا ترك التشهد الأول، أو شك وبنى على اليقين.
وقول القائل: إن السجود من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام، يقال له: لو كان هذا صحيحًا لوجب أن يكون كلُّه قبل السلام، فلما ثبت أن بعضه بعد السلام، عُلِم أنه ليس جنسه من شأن الصلاة الذي يقضيه قبل السلام، وهذا معارَضٌ بقول من يقول: السجود ليس من موجب تحريم الصلاة، فإن التحريم إنما أوجب الصلاة السليمة، وهذه الأمور دعاوي لا يقوم عليها في ليل، بل يقال: التحريم أوجب السجود الذي يُجبَر به الصلاة.
ويقال: من السجود ما يكون جبره للصلاة إذا كان بعد السلام؛ لئلا يجتمع فيها زيادتان، ولأنه مع تمام الصلاة إرغام للشيطان، ومعارَضةٌ له بنقيض قصده، فإنه قصد نقص صلاة العبد بما أدخل فيها من الزيادة، فأُمر العبد أن يُرغِمه، فيأتي بسجدتين زائدتين بعد السلام؛ ليكون زيادة في عبادة اللَّه، والسجود للَّه، والتقرب إلى اللَّه الذي أراد الشيطان أن يَنقُصه على العبد، فأراد الشيطان أن ينقص من حسناته، فأمره اللَّه أن يُتِمَّ صلاته، وأن يُرغم الشيطان، وعفا اللَّه للإنسان عما زاده في الصلاة نسيانًا، من سلام، وركعة زائدة، وغير ذلك، فلا يأثم بذلك، لكن قد يكون تقرُّبه ناقصًا لنقصه فيما ينساه، فأمره اللَّه أن يُكَمِّل ذلك بسجدتين زائدتين على الصلاة، واللَّه أعلم. انتهى كلام شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في تدارك سجود السهو: