السجود مُقيَّدًا بقبل السلام سجد له قبله، وما كان مقيّدًا ببعد السلام سجد له بعده، وما لم يَرِد تقييده بأحدهما كان مخيّرًا بين السجود قبل السلام وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص؛ لما أخرجه مسلم في "صحيحه" عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"إذا زاد الرجل أو نقص، فليسجد سجدتين". وجميع أسباب السجود لا تكون إلا زيادة أو نقصًا، أو مجموعهما. انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
ثم بعد أن كتبت ما سبق رأيت لشيخ الإسلام ابن تيميّة -رَحِمَهُ اللَّهُ- ترجيح ما رجّحته، أحببت إيراده هنا تكميلًا للفائدة، قال -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد إيراده المذاهب، وأدلتها:
وحينئذ فأظهر الأقوال الفرق بين الزيادة والنقص، وبين الشك مع التحرِّي، والشكِّ مع البناء على اليقين، وهذا إحدى الروايات عن أحمد، وقول مالك قريب منه، وليس مثله، فإن هذا مع ما فيه من استعمال النصوص كلِّها فيه الفرق المعقول، وذلك أنه إذا كان في نقص، كترك التشهد الأول احتاجت الصلاة إلى جبر، وجابرُها يكون قبل السلام؛ لتتم به الصلاة، فإن السلام هو تحليل من الصلاة، وإذا كان من زيادة كركعة، لم يُجمَع في الصلاة بين زيادتين، بل يكون السجود بعد السلام؛ لأنه إرغام للشيطان بمنزلة صلاة مستقلة، جُبِر بها نقص صلاته، فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل السجدتين كركعة.
وكذلك إذا شك وتَحَرَّى، فإنه أتم صلاته، وإنما السجدتان لترغيم الشيطان، فيكون بعد السلام، ومالك لا يقول بالتحرِّي، ولا بالسجود بعد السلام فيه.
وكذلك إذا سَلَّم، وقد بقي عليه بعض صلاته، ثم أكملها، فقد أتمها، والسلام منها زيادةٌ، والسجود في ذلك بعد السلام؛ لأنه إرغام للشيطان.
وأما إذا شك، ولم يتبين له الراجح، فهنا إما أن يكون صلَّى أربعًا أو خمسًا، فإن كان صلّى خمسًا فالسجدتان يشفعان له صلاته؛ ليكون كأنه قد