وقال الراغب الأصبهانيّ: الذَّوْقُ وجود الطعم في الفم، وأصله فيما يَقِلّ تناوله، فإذا كثُر يقال له: الأكلُ، فاستعمل في التنزيل بمعنى الإصابة، إما في الرحمة، كقوله تعالى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} الآية [هود: ٩]، وإما في العذاب، نحو قوله تعالى:{لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} الآية [النساء: ٥٦]، وقال غيره: الذوق: ضُرِب مثلًا لما ينالون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخير، قال أبو بكر الأنباريّ: أراد لا يتفرّقون إلا عن علم يتعلّمونه، يقوم لهم مقام الطعام والشراب؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحفظ أرواحهم كما يَحفَظ الطعام أجسامهم.
(طَعْمَ الإِيمَانِ) بفتح الطاء، وسكون العين المهملة، قال الفيّوميّ:"الطَّعْمُ" بالفتح: ما يؤدّيه الذّوق، فيقال: طَعْمُهُ حُلْوٌ، أو حامضٌ، وتغيّر طَعْمُهُ: إذا خرج عن وصفه الْخِلْقِيّ، والطَّعْم: ما يُشتَهَى من الطعام، وليس للغَثّ طَعْمٌ، والطَّعَمُ بفتحتين لغةٌ كلابيّة. انتهى.
وقال الطيبيّ: مجاز قوله: "ذاق طعم الإيمان" مجاز قوله: "وَجَدَ حلاوة الإيمان"، وكذلك موقعه كموقعه؛ لأن من أحبّ أحدًا يتحرّى مراضيه، ويؤثر رضاه على رضاء نفسه، ومقام الرضى عند أهل العرفان مقام جليلٌ رفيع. انتهى (١).
وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "ذاق طعم الإيمان": أي وجد حلاوته، كما في حديث أنس - رضي الله عنه -: "ثلاثٌ من كنّ فيه وَجَدَ حلاوة الإيمان"، وهي عبارة عمّا يجده المؤمن المحقِّق في إيمانه المطمئنّ قلبه به، من انشراح صدره، وتنويره بمعرفة الله تعالى، ومعرفة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة منّة الله تعالى عليه في أن أنعم عليه بالإسلام، ونَظَمَه في سلك أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير الأنام، وحَبَّبَ إليه الإيمان والمؤمنين، وبَغَّضَ إليه الكفر والكافرين، وأنجاه من قبيح أفعالهم، ورَكَاكة أحوالهم، وعند مطالعة هذه المنن، والوقوف على تفاصيل تلك النعم، تطير القلوب فَرَحًا وسُرُورًا، وتمتلئ إشراقًا ونورًا، فيا لها من حلاوة ما ألذّها! وحالة ما أشرفها!، فنسأل الله تعالى أن يمنّ بدوامها وكمالها، كما منّ بابتدائها وحُصُولها، فإن المؤمن عند تذكّر تلك النعم والمنن