للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة، غير أن المؤمنين في تمكّنها ودوامها متفاوتون، وما منهم إلا وله منها شِرْبٌ معلوم، وذلك بحسب ما قُسِم لهم من هذه المجاهدة الرياضيّة، والْمِنَح الربّانيّة. انتهى (١).

(مَنْ رَضِيَ) بكسر الضاد المعجمة، من باب تَعِب (بِاللهِ) تعالى (رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولًا") انتصاب "ربًّا"، و"دينًا"، و"رسولًا" على الحال، ويجوز كونه على التمييز.

قال صاحب "التحرير" رحمه الله تعالى: معنى رَضِيتُ بالشيء: قَنِعْتُ به، واكتفيتُ به، ولم أطلب معه غيرَه، فمعنى الحديث: لم يطلُب غير الله تعالى، ولم يَسْعَ في غير طريقِ الإسلام، ولم يَسْلُك إلا ما يوافق شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا شكّ في أن من كانت هذه صفته، فقد خَلَصَت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه. انتهى (٢).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: معنى الحديث: صَحّ إيمانه، واطمأنّت به نفسه، وخامر باطنَهُ؛ لأن رضاه بالله عز وجل ربًّا، وبمحمّد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا، وبالإسلام دينًا دليلٌ على ثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته بما رضي به من ذلك، ومخالطة بشاشته قلبَهُ، وذلك كالحديث الآخر: "وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسول الله أحبّ إليه مما سواهما … " الحديث، وذلك أن الإنسان إذا رَضِيَ أمرًا، واستحسنه، سَهُل عليه أمره، ولم يشقّ عليه شيء منه، فكذلك المؤمن إذا دَخَل قلبه الإيمان سَهُلت عليه طاعاتُ ربّه عز وجل، ولَذّت له، ولم يشُقّ عليه مُعاناتها. انتهى (٣).

وقال الأبيّ رحمه الله تعالى: فإن قلت: معرفة الله سبحانه وتعالى، واستحلاء الإيمان به هما الغاية، فلو أريدا في الحديث لم يُعبّر عنهما بالذّوْق؛ إذ لا يُعبّر عن غاية الشيء بمبدئه؛ لأن الذّوق مبدأ الفعل.

قلت: الذوق إنما هو مبدأ الفعل إذا استُعمل في المحسوسات، كذوق الطعام، أما إذا استُعمل في المعاني كما هنا، فإنما هو كناية عن كمال


(١) "المفهم" ١/ ٢١٠.
(٢) راجع: "شرح النوويّ" ٢/ ٢.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣.