للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الإدراك، وأنت تعرف أن الرضا بالله تعالى يستلزم الرضا عنه. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "مَنْ رضي بالله ربًّا … " الحديث: الرضا بهذه الأمور الثلاثة على قسمين:

رضًا عامّ، وهو أن لا يتّخذ غير الله تعالى ربًّا، ولا غير دين الإسلام دينًا، ولا غير محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولًا، وهذا الرضا لا يخلو عنه مسلم؛ إذ لا يصحّ التديّن بدين الإسلام إلا بهذا الرضا.

ورضًا خاصّ، وهو الذي تكلّم فيه أرباب القلوب، وهو ينقسم على قسمين: رضًا بهذه الأمور، ورضًا عن مجريها تعالى، كما قال أبو عبد الله بن خفيف (٢): الرضا قسمان: رضًا به، ورضًا عنه، فالرضا به مدبّرًا، والرضا عنه فيما قضى، وقال أيضًا: هو سكون القلب إلى أحكام الربّ، وموافقته على ما رضِيَ واختار، وقال الجنيد: الرضا دفع الاختيار، وقال المحاسبيّ: هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام، وقال أبو عليّ الروذباريّ: ليس الرضا أن لا يُحسّ بالبلاء، إنما الرضا أن لا يعترض على الحكم.

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: وما ذكره هؤلاء المشايخ هو مبدأ الرضا عندهم، وقد ينتهي الرضا إلى ما قاله النوريّ: هو سرور القلب بمرّ القضاء، وسُئلت رابعة عن الرضا، فقالت: إذا سرّته المصيبة كما سرّته النعمة.

قال: وقد غلا بعضهم، وهو أبو سليمان الدارانيّ، فقال: أرجو أن أكون عرفتُ طرفًا من الرضا، لو أنه أدخلني النار لكنت به راضيًا، وقال رويم: الرضا هو لو جَعَل جهنم عن يمينه، ما سأل أن يحوّل عن شماله.

قال القرطبيّ: وهذا غلوّ، وفيه إشكال.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد أحسن القرطبي في اعتراضه المذكور، فإن هذا مخالف لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله تعالى لهداية الخلق إلى الصراط المستقيم، وهو الذي حقّق مقام الرضا عن الله سبحانه وتعالى بكامل معناه، وكان من هديه أنه يستعيذ من النار، وما أكثر ما كان يستعيذ منها، ويسأل الله تعالى


(١) "شرح الأبيّ" ١/ ١٢٩.
(٢) هو محمد بن خفيف الشيرازيّ، من مشايخ الصوفيّة، توفي سنة (٢٩٥ هـ).