للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن يبعده عنها، وُيدخله الجنّة، وأمر أمته بذلك، فقال: "إذا تشهّد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال"، متّفقٌ عليه، وعلَّم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عائشة، لما سألته عن الجوامع الكوامل من الدعاء، فقال لها: "قولي: اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأسألك من خير ما سألك عبدك ورسولك محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأستعيذك مما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشدًا" (١).

فهذا الذي قاله هؤلاء في معنى الرضا مخالف لهذا الهدي الذي لا هدي فوقه، فإن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليك بالسنّة، ودع المحدثات، تَنْجُ في الدنيا والآخرة، وتَسْعَد في المحيا والممات.

وبالجملة فالرضا بالله تعالى لا ينافي الاستعاذة من النار، والخوف من عذاب الله تعالى، فلا تلتفت إلى ما يُخالف هذا، اللهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، آمين.

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: وعلى الجملة فالرضا باب الله الأعظم، وفيه جماع الخير كلّه، كما قال عمر لأبي موسى - رضي الله عنهما -: أما بعد؛ فإن الخير كلّه في الرضا، فإن استطعت أن ترضى، وإلا فاصبر. انتهى (٢).

[تنبيه]: قوله: "وبالإسلام دينًا" فيه عطف معمولين على معمولي عامل واحد، وذلك أن قوله: "وبالإسلام" معطوف على "بالله"، و"دينًا" معطوف على "ربًّا"، وكذا ما بعده، وهذا العطف جائزٌ بلا خلاف؛ لاتحاد العامل، وهو "رَضِيَ"، وإنما الخلاف فيما إذا وقع العطف على معمولي عاملين مختلفين،


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" رقم (٢٣٩٨٤) بإسناد صحيح.
(٢) "المفهم" ١/ ٢١٠ - ٢١١.