للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أجزائها، فإذا قال: لم أَلْقَ كُلَّ العلماء لا يُفهم أنه لم يَلْقَ واحدًا منهم، ولا يلزم ذلك منه، إلا أن هذا الاعتذار يُبطله قوله في الرواية الأخرى: "لم أَنْسَ، ولم تُقصَر" بدل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلُّ ذلك لم يكن"، فقد نَفَى الأمرين نصًّا.

[والثاني]: أنه إنما أخبر عن الذي كان في اعتقاده وظنّه، وهو أنه لم يَفعل شيئًا من ذلك، فأخبر بحقّ؛ إذ خبره موافقٌ لما في نفسه، فليس فيه خلْفٌ، ولا كذبٌ، وعن هذا ما قد صار إليه أكثر الفقهاء إلى أن الحالف باللَّه على شيء يَعتقده، فظهر أنه خلاف ما حلف عليه أن تلك اليمين لاغيةٌ، لا حِنْثَ فيها، وهي التي لم يُضفها اللَّه تعالى إلى كسب القلب، حيث قال: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]، وقد روى أبو داود حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا، وقال مكان "كلُّ ذلك لم يكن": "لم أنسَ ولم تُقصر"، ومحمِله على ما ذكرناه من إخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- عن اعتقاده.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الوجه هو أولى ما يُعتمد عليه في الجواب عما استُشكل في هذا المحلّ.

وحاصله أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاب بقوله: "كلُّ ذلك لم يكن"، وفي رواية أخرى: "لم أنس ولم تُقصر" عما في ظنّه، لا عما في نفس الأمر؛ لكونه خلاف ذلك، ولذلك لما تحقّق لديه أنه أخطأ صلّى ما بقي، وسجد للسهو، واللَّه تعالى أعلم.

قال: وللأصحاب فيه تأويلات أُخَر:

(منها): أن قوله: "لم أنسَ" راجع إلى السلام، أي لم أنس السلام، وإنما سلّمت قصدًا، وهذا فاسدٌ؛ لأنه حينئذ لا يكون جوابًا عما سئل عنه.

(ومنها): الفرق بين النسيان والسهو، فقالوا: كان يسهو ولا ينسى؛ لأن النسيان غفلةٌ، وهذا أيضًا ليس بشيء؛ إذ لا نُسلِّمُ الفرق، ولو سُلِّمَ فقد أضاف -صلى اللَّه عليه وسلم- النسيان إلى نفسه في غير ما موضع، فقال: "إنما أنا بشرٌ أنسى كما تنسون، فإذا نَسِيتُ فذكِّرُوني"، وقوله: "إني لا أنسَى، أو أنسى لأَسُنّ" (١)، وغير ذلك.


(١) هذا حديث لا يصحّ متّصلًا، بل أخرجه مالك في "الموطّأ" بلاغًا.