فبعضهم رواه باللفظ، وبعضهم رواه بمعنى ما فهمه، فحصل الاختلاف، وأما قصّة عمران -رضي اللَّه عنه- فهي واقعة أخرى، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ"، فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) قال العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليلٌ لقاعدةٍ اتَّفَق عليها أهل "المعاني والبيان"، وهي:
أن النفي إذا تَسَلَّط على "كلّ"، أو كانت في حَيّزه تكون "كل" حينئذ لنفي الشمول عن المجموع، لا لنفي الحكم عن كلّ فرد فرد.
وإن أُخرجت "كل" من حيّز النفي، بأن قُدّمت عليه لفظًا، ولم تكن معمولةً للفعل المنفي تَوَجَّه النفي إلى أصل الفعل، وعمّ كل ما أضيفت إليه "كل"، فكان السلب عن كل فرد فرد.
قال العلائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والاحتجاج لهذه القاعدة بهذا الحديث من وجهين:
[أحدهما]: أن السؤال بـ "أم" عن أحد الأمرين لطلب التعيين بعد ثبوت أحدهما عند المتكلم على وجه الإبهام، فجوابه إما بالتعيين، أو بنفي كل واحد منهما، فلما قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل ذلك لم يكن" كان جوابه لنفي كل واحد منهما بالنسبة إلى ظنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلو كان تقديم "كلّ" على المنفي إنما يفيد نفي الكلية، لا نفي الحكم عن كل فرد فرد لكان قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل ذلك لم يكن" غير مطابق للسؤال، ولا ريب في بطلانه.
[والوجه الثاني]: قولُ ذي اليدين في جواب هذا الكلام: "قد كان بعض ذلك"، وهو من العرب الفصحاء، فدلّ على أن المراد بـ "كل ذلك لم يكن" سلب الحكم عن كلّ فرد فرد، لا عن المجموع؛ لأن الإيجاب الجزئي يقتضيه السلب الكليّ (١). انتهى كلام العلائي -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "كلُّ ذلك لم يكن لما هذا مشكلٌ بما ثبت من حاله، فإنه يستحيل عليه الخلف والكذب، والاعتذار عنه من وجهين:
[أحدهما]: أنه إنما نفى الكلّيّة، وهو صادقٌ فيها؛ إذ لم يجتمع وقوع الأمرين، وإنما وقع أحدهما، ولا يلزم من نفي الكليّة نفي كلّ جزء من