السلام الأول، ويُعلن بالثاني، والأحاديث كلّها تدلّ على أنه لم يكن يُسلَّم فيها إلا مرة واحدة في التشهد الثاني خاصّة. انتهى كلام الحافظ ابن رجب رحمه اللَّه تعالى بتصرف يسير (١).
وقال النووي رحمه اللَّه تعالى في "شرحه":
(واعلم): أن السلام ركن من أركان الصلاة، وفرض من فروضها، لا تصحّ الصلاة إلا به، هذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم.
وقال أبو حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو سنّة، ويحصل التحلل من الصلاة بكلّ شيء يُنافيها، من سلام، أو كلام، أو حدَث، أو قيام، أو غير ذلك.
واحتجّ الجمهور بأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسلّم، وثبت في "صحيح البخاري" أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"صلّوا كما رأيتموني أصلي"، وبالحديث الآخر:"تحريمُها التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ". انتهى كلام النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: حديث "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". رواه أحمد، وأصحاب السنن إلا النسائيّ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، يصلح للاحتجاج به.
وقد استَدَلَّ به الجمهور على وجوب السلام، قالوا: إن الإضافة تقتضي الحصر، فكأنه قال: جميع تحليلها التسليم، أي انحصر تحليلها في التسليم، لا تحليل لها غيره.
ولأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسلّم من صلاته، ويديم ذلك، ويواظب عليه، ولا يُخلّ به، وقد قال:"صلّوا كما رأيتموني أصلي"، ولأنه قد تواتر العمل عليه من لدن صاحب الشريعة إلى يومنا هذا، وتلقّاه الكافّة عن الكافّة طبقة عن طبقة، فهو ثابت متواتر عملًا.
وأما ما قيل: من أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يعلّم السلام المسيء في صلاته، ولو وجب لأمره به؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ففيه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-
(١) "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب ٧/ ٣٧٦ - ٣٨٠.