وحمل أبو حنيفة، وإسحاق حديثَ:"تحليلُها التسليم" على التشهد، وقالوا: يسمى التشهد تسليمًا، لما فيه من التسليم على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- والصالحين، وهذا بعيد جدًّا.
واستدلّوا أيضًا بما روى عبد الرحمن بن زياد الإِفريقي، أن عبد الرحمن بن رافع، وبكر بن سوادة أخبراه عن عبد اللَّه بن عمرو، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال:"إذا أحدث، وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلّم جازت صلاته"، أخرجه الترمذيّ، وقال: إسناده ليس بالقويّ، وقد اضطربوا في إسناده، والإفريقي ضعّفه القطّان، وأحمد بن حنبل. وخرّجه أبو داود بمعناه. وخرّجه الدارقطني، ولفظه:"إذا أحدث بعدما يرفع رأسه من آخر سجدة، واستوى جالسًا تمّت صلاته".
وقد رُوي بهذا المعنى عن الإفريقي، عن عبد اللَّه بن يزيد، عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا، وهذا اضطراب منه في إسناده كما أشار إليه الترمذي، ورفعه منكر جدًّا، ولعله موقوف، والإفريقي لا يُعتَمَد على ما ينفرد به.
قال حرب: ذُكِر هذا الحديث لأحمد، فردّه، ولم يصحّحه.
وقال الْجُوزجاني: هذا الحديث لا يبلغ القوة أن يدفع أحاديث "تحليلُها التسليم".
وأجاب بعضهم عن هذا، وعن حديث ابن مسعود -على تقدير صحّتها- بالنسخ، واستدّل بما رَوَى عُمر بن ذرّ، عن عطاء بن أبي رباح، قال: كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قعد في آخر صلاته قدر التشهد أقبل على الناس بوجهه، وذلك قبل أن ينزل التسليم، خرّجه البيهقي، وخرّجه وكيع في كتابه عن عُمر بن ذرّ، عن عطاء بمعناه، وقال: حتى نزل التسليم.
ورُوي عن عمر أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُصلي في أول الإسلام ركعتين، ثم أمر أن يصلي أربعًا، فكان يسلّم بين كل ركعتين، فخشينا أن ينصرف الصبي والجاهل يرى أنه قد أتمّ الصلاة، فرأيت أن يخفي الإمام التسليمة الأولى، ويعلن بالثانية، فافعلوا. خرّجه الإسماعيلي، وإسناده ضعيف.
ولم يَقُل بذلك أحد من علماء المسلمين أن الصلاة الرباعية المكتوبة يُسلَّم فيها مرتين، مرة في التشهد الأول، ومرة في الثاني، ولكن الإمام يسرّ