للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إيثارًا لرأي إمامهم، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٨]، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في مذاهب العلماء في حكم السلام من الصلاة:

قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح البخاريّ": أكثر العلماء على أنه لا يُخْرَج من الصلاة بدون التسليم، واستدلّوا بحديث: "تحليلُها التسليمُ".

وممن قال من الصحابة: تحليل الصلاة التسليم: ابن مسعود، وابن عباس، وحكاه الإمام أحمد إجماعًا.

وذهب طائفة إلى أنه يُخرَج من الصلاة بفعل كلّ مناف لها، من أكل، أو شرب، أو كلام، أو حدث، وهو قول الحكم، وحماد، والثوريّ، وأبي حنيفة وأصحابه، والأوزاعيّ، وإسحاق، ولم يفرّقوا بين أن يوجد المنافي باختيار المصلّي، أو بغير اختياره، إلا أبا حنيفة، فإنه قال: إن وُجد باختياره خرج من الصلاة بذلك، وإن وُجد بغير اختياره بطلت صلاته، وجعل الفرض الخروج منها بفعل المنافي باختيار المصلي لذلك، وخالفه صاحباه في اشتراط ذلك.

وقد حُكي عن طائفة من السلف أنّ من أحدث بعد تشهده تمّت صلاته، منهم: الحسن، وابن سيرين، وعطاء -على خلاف عنه- والنخعي، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وقد أنكر صحّته أحمد، وأبو حاتم الرازي، وغيرهما، وروي أيضًا عن ابن مسعود من طريق منقطع.

واستُدِلّ لهؤلاء بحديث ابن مسعود: "إذا قلت هذا، أو قضيت هذا، فقد قضيت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، وقد اختُلِف في رفعه ووقفه على ابن مسعود، واختُلف في لفظه أيضًا، فرواه بعضهم، وقال: قال ابن مسعود: "فإذا فرغت من صلاتك، فإن شئت فاثبت، وإن شئت فانصرف". خرّجه البيهقي. وهذه الرواية تدلّ على أنه إنما خيّره إذا فرغ من صلاته، وإنما يفرغ بالتسليم، بدليل ما رَوَى شعبة عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه، قال: "مفتاح الصلاة التكبير، وانقضاؤها التسليم، إذا سلّم الإمام فقم إن شئت".

قال البيهقي: وهذا أثر صحيح، وقال: ويكون مراد ابن مسعود الإنكار على من زعم أن المأموم لا يقوم حتى يقوم إمامه.