المكتوبة، فأما التطوّع فيُجزئ فيه تسليمة، واستدلّوا بحديث عائشة في صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالليل، وقد سبق ذكره.
وأخرج الإمام أحمد من حديث إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة، يُسمعناها.
وقد تأوّل حديث عائشة في هذا المعنى على أنه كان يُسمعهم واحدةً، ويُخفي الثانية، وقد نصّ أحمد على ذلك، وأن الأُولى تكون أرفع من الثانية في الجهر.
وقد رَوَى أبو رزين قال: سمعت عليًّا يُسلّم في الصلاة عن يمينه، وعن شماله، والتي عن شماله أخفض.
ومن أصحاب أحمد من قال: يجهر بالثانية، ويخفض بالأولى، وهو قول النخعيّ. انتهى كلام الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- ببعض تصرف.
وقال العلّامة الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكره اختلافَ أهل العلم في هذه المسألة:
والحقّ ما ذهب إليه الأولون -يعني القائلين بمشروعية التسليمتين- لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين، وصحة بعضها، وحسن بعضها، واشتمالها على الزيادة، وكونها مثبتة، بخلاف الأحاديث الواردة بالتسليمة الواحدة، فإنها مع قلّتها ضعيفة لا تنتهض للاحتجاج بها، ولو سُلّم انتهاضها لم تصلح لمعارضتها أحاديثَ التسليمتين، لما عرفت من اشتمالها على الزيادة.
وأما القول بمشروعية ثلاث (١) فلعلّ القائل به ظن أن التسليمة الواحدة -يعني في حديث عائشة وغيرها- غير التسليمتين، فجمع بين الأحاديث بمشروعية الثلاث، وهو فاسد، وأفسد منه ما رواه في "البحر" عن البعض من أن المشروع واحدة في المسجد الصغير، وثنتان في المسجد الكبير. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: ما قاله الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- حسنٌ جدًّا.
(١) نقله الشوكانيّ عن عبد اللَّه بن موسى بن جعفر من أهل البيت، فإنه ذهب إلى أن الواجب ثلاث: يمينًا وشمالًا، وتلقاء وجهه، انظر: "نيل الأوطار" ٢/ ٣٤٥.